محمد أبو معتوق
في الحديقة تضيع الحقائق
ثم تولد من جديد
بعد ان تعطلت غسالتي
رجتني زوجتي أن اعجل بإصلاحها ..قبل ان تهرب الثياب لحاوية الزبالة المجاورة لبيتنا
وبعد إلحاح طويل
..انصعت للطلب
..وقررت عبور الحديقة العامة للوصول لمركز التصليح
وفي الحديقة التقيت بصديقي القديم
جلست الى جوار وحدته وسألته عن الأسباب
فقال لي بانفعال : لا توجد اسباب
الوحدة ملاذ لعين ..لتدمير القلوب
فصمتت لأمتص غضبه ..كما يمتص الطفل زجاجة العصير
وبعد تأمل ومزاورة انتبهت إلى قميص صديقي ..فوجدته ممزقاً من الطرف المجاور لحزنه العميق
فسالته لأكسر بعضاً من الجليد المنتشر في القطب الشمالي وقلت : هل خضت معركة في الحديقة مع أحدهم فتمزق قميصك
..وتهدل بعضك على بعضك مثل شيئ حزين
فقال لي ان حكيت لك حكايتي هل تصدقني ..ولا تفكر باتهامي بالارهاب .والإساءة لسمعتي كما تحاول بسخرياتك .التي
تدخل الجبال في الغصب الشديد
فقلت له : لقد خلقني الله لأصدق الجميع
وإن انت بالغت بالأكاذيب
.ساعتبر كلامك
مسافة لا تتعلق بالكذب او الصدق ..وإنما هو نوع من الخيال الذي يمنحك فتنة وفضيلة الهروب من حزنك الدفين
..وهذا في اعتقادي نوع من الصدق الفني الذي افضله على الصدق الأيديولوجي البليد
فقال لي: إسمع إذاً ولا تقاطعني ولا تقاطع حزني
فقلت : انا استمع
فقال : بينما كانت البلاد تخوض حرب وجودها المرير ..كانت زوجتي تخوض مع العالم والحياة معركتها مع السرطان ..وكانت تبكي وتقول لي أخاف ان أموت ولا ألتقي بك هناك معاً في السموات
وكنت اقول لها : الا يكفي أننا فرمنا بعضنا في الحياة الدنيا ..كما تفرم الحرب البلاد والعباد الطيبين قبل الضالين .. وتريدين ان تلتقي بي لنتابع الفرم في السماء
وكانت تقول لي :اخاف من عينيك الزائغتين ..بسب انتشار الحوريات هناك في السماء ..وانت بقلبك الطيب الذي يحب التعاون مع جميع النساء ستأخذ راحتك ..كما يفعل الرجال الأوغاد .ثم تسترسل بالبكاء
وكنت اقول لها: طولي بالك يابنت الحلال
السرطان صديق للأحزان ..وانت بسبب
لؤم الرجال ودنسهم ستعينين السرطان على الانتصار
وكانت تقول لي : لاأستطيع تركك في الحياة الدنيا وحيداً ونهباً للنساء الجائعات
بعد مدة غير بعيدة توفيت زوجة صديقي
وبعدها تابع الكلام فقال :بعد وفاة زوجتي وبصورة غير مفهومة
تعطلت كل أجهزة الكهرباء في بيتنا ..إلا الغسالة الاوتوماتيكية
..ولكن عيباً واضحا ظهر على الغسالة والغسيل ..وهي انها بعد معركة التنشيف ..كانت ابنتي تريني بعض ثيابي وقد تمزقت أطرافها ..ولم يكن ينال ثياب ابنتي أي تمزيق
.فاستغربت واستغرب الذي يقوم باصلاح الغسالة معي هذا السلوك المشين من الغسالة التي اخضعها للكثير من الفحص والتدقيق
وبعد ان عجز العلم عن ايقاف الغسالة عن متابعة برنامج تمزيق ثيابي المريب
ذهبت الى العارف بالسحر والتنجيم ..وحكيت له حكايتي مع الغسالة اللعينة واريته بعض ثيابي وافراحي وما أصاب روحي بعد وفاة زوجتي من قروح
عندها سألني المشعوذ باعتداد شديد ..بعد ان عرف نقطة ضعفي المجيد : هل كنت تقسو على زوجتك؟ فقلت : لا
ولكنها كانت تغار علي من جميع نساء الأرض كما تغير الطائرات على هدف قريب
فقال لي : لقد زهق الحق وظهر الباطل
فقلت: ومن هو الحق ومن هو الباطل
فقال لي: الباطل انت ..والحق هو الغسالة
فقلت له مستغربا :وكيف لهذا ان يكون ؟
فقال لي بسبب قيام الغسالة بغسل الثياب الكثيرة لزوجتك وتخليص ثيابها من أدرانها وأحزانها
..تقمصت الغسالة روح زوجتك ..ووضعت برنامجاً للانتقام منك
وماعليك سوى ان ترسل لي الغسالة لأخلصك منها ومن مصائبها ..وعليك ان تشتري غسالة اخرى ..مهما كان مهرها غال واهلها متشددون
فخرجت من بين يدي العارف بالله عاريا من المودات والوجود الشفيف
وفي البيت اقتربت من الغسالة وقبلتها بعد ان أحسست بنبض زوجتي وقد تملّكها ..واحضرت ثيابي الممزقة ودفنت وجهي بين الشقوق ..فأحسست بيد حانية تعانقني .كانما هي يد زوجتي ..فنمت الى جوار الغسالة نوماً عميقاً ..فيه حرارة وروح ..وبعد أن استيقظت ..تملكني روح جديد وصرت احب الغسالة ..واحب مايصدر عنها من شجب وتمزيق
بعد ان اتم صديقي حديثه
نهض وتركني
نهباً للوحدة والظنون
غرفة 19
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران