د. مصطفى الضبع
وجوهها …. الخمسة
د. مصكفى الضبع
لحظة فارقة ، كانت تستعد للخروج ، لم تسعفها المرآة الكبيرة لإدراك حقيقة ندبة ظهرت في مؤخرة خدها ، راحت تبحث عن حقيبتها السوداء ، لتستعمل مرآتها الصغيرة ، كانت الحقيبة قريبة ، وحين وجدت المرآة بسهولة وحاولت إخراجها سقطت ، انكسرت لكن إطارها حافظ على الزجاج فلم يتناثر ، ظلت الأجزاء متماسكة بفعل الإطار والخلفية الورقية ، انشغلت بالمرآة التي انقسمت لخمسة أجزاء ، أسندتها على المرآة الكبيرة ، وقبل أن تسرح في تاريخها معها ( مع الحوادث تنتعش الذكريات ، قد لا نشعر بقيمة الأشياء إلا عندما نفقدها ) ، راحت تحدق في الأجزاء الخمسة ، في الوجوه الخمسة التي تكتنزها
في العشرين ، حين التقته شابا في قاعة الدرس ، كانت أحلامها تقف عند حد الأمومة ، أن تكون أما ، وحين حاولت أن تمارس معه دور الأم ، همس في أذنها : الرجل لا يريد أما بديلة ، فالأمومة لا تتجسد إلا في امرأة واحدة لا تتكرر ، الأمومة فعل مؤجل ، بفعل الأنوثة التي يطلبها الرجل
تأوهت وقبل أن تنشغل بوجهها في المرآة الكبيرة ، أخذتها الشظايا
قرابة الثلاثين ، الموظفة بهيئة الأرصاد الجوية ، الباحثة عن الخطوة التالية ، لم تحددها لكنها كانت على يقين أن هناك خطوة تالية ، تزوجته ، حققت حلم الأمومة ، لكنه لم يكن على قدر طموحها الاجتماعي فتخلصت منه هاربة بثلاثة من الأبناء
ابتسمت واحدة من ابتساماتها الباهتة ، وحاولت إزاحة الشظايا
بعد الأربعين عرفته ، محاسبا في مكتب صغير ، يصغرها بعشر سنوات ، منحته فقبل : الأمومة ، الروح ، العمر ، تمنته فوعدها ، وحلمت معه فسايرها ، وبعد ثلاثة أعوام غادرها مبررا لنفسه أنها سعت إليه ولم يسع إليها ، وعاد إلى فتاته القديمة التي أخفاها طوال السنوات الحالمة.
تأوهت وهي تحاول السيطرة على ألم لم تحدد مصدره
قرابة الخمسين شاغلته عن مشاغله فتشاغل ، المهندس الذي يكره الهندسة خارج العمل ، في محاولتها للتقرب منه أحبت الهندسة ، وراحت تهندس كل شيء حتى علاقتهما الخاصة ، حاول إفهامها أن الهندسة …لكنها كانت تقاطعه فكان يستأنس بصمته
انكفأت المرآة الصغيرة فتشظت أكثر ، لم تجرؤ على رؤية الشظايا المتضاعفة ، وعادت للمرآة الكبيرة تحاول استكشاف حجم الندبة السوداء التي تعددت