وكَأَنَّنِي ..
إذ شَقشَقَت أَطيارُ قَلبِكِ في الصَّباحِ
رَشَفتُ فِنجانِي مَعَكْ .
وجَلَستُ أَنظُرُ مِن نَوَافِذِ مُقلَتَيكِ
إلى حَديقةِ قَلبِكِ المَزرُوعِ بالنَّعناعِ
والنَّسرِينِ
يا ما أروَعَكْ .
لا تَجلِبِي الكِيكَ المُحَلَّى
لا تُضيفِي سُكَّراً للبُنِّ
يكفي لو يُلامِسُ .. في اْشتياقٍ .. إصبعَكْ .
فِنجانُ قهوتِنا،
وطَاوِلَةُ الفرَندا،
مَقعدانِ على ضِفَافِ الحَرفِ،
نَبضُ مَشَاعِرٍ
وعَنَادِلُ الشِّعرِ المُصَفَّى كُلُّهَا تَدعُو
لأنْ تُصغِي إليَّ، و أَسمَعكْ .
بُوحِي بِسرِّ القَلبِ يا عُصفُورَةَ الرُّوحِ الطليقةَ
حلِّقي
في ذا الفَضَاءِ
تَأَرجَحِي
كَصَغِيرةٍ زَانَت جَدَائِلَها الشَّرَائطُ
دَاعِبِي
بِبراءَةِ الأَطفَالِ سَمْعِي
ثَرثِري إنْ شِئتِ
لا، لن أمنَعَكْ .
فَلَقَد سَكَنتِ القَلبَ،
يا سُبحانَ مَن .. كَالسِّرِّ .. في قَلبِ المُغَنِّي أودَعَكْ .
قُصِّي عليَّ حِكايةً تِلوَ الحِكايةِ
وافتحي دِيوانَ دَرويشَ
اقرئي لوركا
ونازكَ، و الشَّهاويَّ
ارجعي بي لابنِ زيدونَ
اعزفي ألحانَ قَيسٍ
إنَّ أعذبَ ما سَمَعتُ و ما قَرَأتُ من القَصائدِ
كانَ ما يُتلى مَعَكْ .
هذي صحيفةُ صَدريَ البيضاءِ مِن لألاءِ وجهكِ
فارسُمِي قلباً عليهِ حُروفُنا
وتَرَفَّقي
وتَأنَّقِي
فُرشَاتُكِ الزَّرقاءُ حِين تٌداعِبُ الأَوراقَ
تَعزفُ لَحنَ صبٍّ
صاح من أشواقَهُ:
ما أَبدَعَكْ .
إنَّ الذي جَعَلَ الجَمالَ سجيَّة في مُقلتيكِ
هو الذي زَرَعَ البَرَاءَةَ فِي رُباكِ
وبالفضيلةِ مَتَّعَكْ .
يا ربَّة النَّهرِ الذي شَقَّ الجَوانحَ
مُنذ آلافِ السنينَ
وصَبَّ في قلبِ المُغَنِّي أَريَهُ
باللهِ قولي:
أيُّ نَبعٍ في الجِنانِ غذا قديماً منبعَكْ .
وبأيِّ لونٍ كانَ للنَّسرين أن يَغترَّ
إن يوماً أَشَحتِ بوجِهِكِ القَمَريِّ عنهُ
وكانَ يَسكنُ أَضلُعَكْ .
وبأيِّ وجهٍ يَضحكُ التُّوليبُ
يبتسمُ القَرَنفلُ
إن بَكَت وَردَاتُ خَدِّكِ كلَّما ألقي الرَّحيلُ ظِلالَهُ
فوقَ المكانِ
فَلَم يُكَفكِف أَدمُعَكْ .
فنجانُ قهوتِنا يُخَيِّم فوقَهُ صَمتٌ
ورَنَّةُ هَاتِفِي المَحمُولِ تَقطَعُ ما تَبَقَّى مِن ثَوَانٍ
فَاترُكِينِي أطبعُ الحَرفَ الأخيرَ
على جَبِينِكِ
كي أَعُودَ فأقرأ الذِّكرى مَعَكْ .