نقلا عن موقع كل الأسرة
إنعام كجه جي صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس
غرفة 19
لا فكاك للعين عن الهاتف
تشكو إحدى صديقاتي من أن زوجها يحب «الفوتبول» أكثر منها. تقول إنه يعاقر مباريات الدوري الإنجليزي وكأس أوروبا بكرة القدم ويعرف أسماء اللاعبين أكثر مما يحفظ أسماء أبنائه وبناته.
إنها شكوى ليست جديدة. وقد ذكّرتني بفيلم إيطالي قديم عن زوج يتسمّر أمام شاشة التلفزيون ولا يرفع عينه عن مباراة الكرة.
وقد بلغ من ضيق زوجته وغضبها من إهماله ولامبالاته بما يجري داخل منزله أن قررت الانتقام منه.
كثيرون منا تشغلهم هواتفهم النقالة أكثر من أي شيء آخر. إن لا فكاك لأعينهم عن شاشاتها، ولا لأناملهم عن حروفها. وقد وصلتني قبل فترة هذه الحكاية الطريفة؛ بل المؤلمة، وأنقلها لكم هنا كما وصلتني بالحرف:
«كان منشغلاً بالهاتف وضغط على الرقم 7 بدلاً من 9 في المصعد. ولم ينتبه عند وصوله إلى باب الشقة أنها شقة الجيران. مد يده وفتح الباب الذي لم يكن مغلقاً بالمفتاح. ودخل وجلس وهو ما زال مشغولاً بقراءة ما يصله من رسائل على «الواتس آب».
كانت زوجة جاره منشغلة أيضاً بالمسلسل التلفزيوني، وناولته فنجان الشاي دون أن تنظر إليه.
وفجأة دخل زوجها وكان أيضاً مشغولاً بالهاتف. وعندما نظر ووجد رجلاً غريباً اعتذر وقال «آسف دخلت إلى الشقة بالغلط…»».
تختتم الحكاية بعبارة «إنها وسائل التباعد الاجتماعي». فهل وصلت ببعضنا الحال حد نسيان مفردات حياتهم والانشغال بما هو غير واقعي؟
أعرف موظفاً من أقاربي مدمناً على الفرجة على أفلام موقع «تيك توك». يستعرضها واحداً بعد الآخر طوال ساعات الدوام. إنه موظف بدرجة متفرج. ولا أدري كيف يحلل المرتب الذي يتقاضاه آخر الشهر.
شخصياً، أحب هاتفي ولا أستغني عنه. ولو نسيته سهواً في البيت أعود من آخر الدنيا لاستعادته. ولو ضاع مني أضيع. أفقد مفكرتي وصوري ورسائلي وعناوين أهلي وأرقام هواتف دنياي. لكنني حين يحين وقت الجد، أغلقه وأنجز ما هو أهم. ولن أقول لكم ما هو الأهم. لكل منكن، ومنكم، أولوياته في الحياة.