حين استوى الدّيوان الجديد في كفيّ ذاك المساء المجلبب بالشعر الايلولي العَبِق ،مع توقيع الشاعر اللطيف “عبد الرزاق جهاد كبّارة” شعرتُ انني اتلمّس المشاعر المرنّمة على خدِّ الحرير العاجي في كتاب متوسط الحجم انيق الورق والحرف ذي غلاف موحٍ تعلوه صورة إمرأة حالمة مستوحدة بين يديها قيثارة تبعثر أحرف العنوان” لحن المشاعر ” في فضاءات الغروب الشاحبة وامواه البحار المترامية ،لكأنّها تجسّد حالة الشوق اللامتناهي و المترامي على الشّفق والسّحاب الحزين وفوق البحر والأمداء . الاهداء اولا وما اجلى واجل ّ المقصد! ومن ثمّ تترَى القصائِد نابضةً بالحياة وقد فاضت على جنباتِها انهارُ الشّوق وانهمرت الحانُ الحبّ بعد كلّ احتباس قسري ، او هجران فرضته الظروف، غزيرةً متوثّبة. لا استطيع ولا يمكنني الإحاطة بكل شذَرات الديوان وما يختزنه او يختزله من مشاعر لانها قراءة سريعة ،وددتُ ان انوّه خلالها بهذا الديوان ،بعد ان ابحرتُ في لجَجه العذبة والمنسابة الى شطآن العقول والقلوب ،وهي تُرغي وتزبد ُ، حاملةً قصصَ حوريات القلب وقد اخْتُصِرت بأنثَى واحدة، ربّما استأثرت على جلّ القصائِد وعبّّرت عن أُحادية ايثار اسعدت قلبَ الشاعر واضنته واقلقته في آن. ولعلّ مَن سيطّلع على” لحن المشاعر “سيكتشف ُ انّ مشاعرَه نابتهٌ في ارضِ الصّدق ومُنبثقةٌ من روح ثرّة وسليقَةٍ لم تدجّنها الحَداثة في اطُرِ التّرميز او الاستعارات الغامِضة بل هي ابنة الطّبع المحصن بالثقافة والمعرفة والتّجارب الشخصية وقد نأت عن ايّ ابتذال او استغلال للمراة او لمعجَبة مُحتملة .انّها تجربة محصّنة بالاخلاق والايمان ومشوبة بالقلق شأن كلّ عاشق متيّم .وكيف ستولَدُ الحان المشاعر لولا ذيّاك العشق الكبير الذي عبّر عنه الشّاعر واعلن كل ما يعانيه جرّاءَه وقد باح بكلِّ مكنوناتِه إزاءَه، وبكلّ اهوائِه ورغباتِه . انه يقدّس الحب روحا وجسَدا ؛ كيف لا والحبّ يحرّر الانسان ويطلق مواهِبَه ويُبلوِر كنوزه الدفينة وجوهَره ويحصّن العقلَ والقلب و وإن تبدّى موَلها او مَجنونا بمن يحب. والحب ّعندالشاعر رغم التّوق الجارف الذي يؤجّجُه البعاد يظل ملتَمسا الرِضى والقناعة والحلال والتّخلي عن الاقنعة والمظاهر و يبقى متناغما مع العناصر والطبيعة والصّداقة والقيم .وإن استذكر بعض المواقِف غير المُرضيه من اصدقاء او سواهم ممّن خانوا او تخلّفوا او تخلّوا. اما الظنونُ فهي تواقيع القلب العاشق الذي تحتشد فيه الشكوك فتعزِف النّغمَ النشاز على مزْمار القلب ، وتبقى الحبيبةُ هي البوصَلة التي تشُدّ كلّ الأوتار وتلتقي عندها كلُّ الروافِد ومنها يستمدُّ الشاعِرُ ذاكَ الوحيَ الجميل، وتستأثِرُ بالعددِ الاكبَرِ من قصائِد الدّيوان وقد بلغت مئةَ وخمسينَ قصيدةً ،استراحت على حريرِ الورق العاجي ولكنّها لم تسترخ ولم تُرح ْلانّها دفّاقة ، رقراقة توّاقة ،هتافة ، شفافة. تصخَبُ وتضطربْ، ،تحنّ وتجن، ،تتغاوى وتاسُر.. “لحن المشاعر” هو ديوان حياة يختصرُ معاناةً وجدانية يغالبُها القَدر والسّفر وينهكها البُعاد وتساكنُها ندوبُ الشّوق المشدودِ الى المشتَهى المنشود ،والمرأة تسكنُه بجسَارةٍ ، تلازمه ، وتخَيّمُ على فكْره ووَحيِه وُتطبِقُ على انفاسِ حروفِه. انّه الحُبّ المميتُ والمُحيي وهذا ما تجلّى في قصائِد الدّيوان التي تغنّت بالجمال والرّعشة والدّهشة و احتفلت بالحبّ والحبيبةِ ايّمأ إحتفال ! “عبد الرزاق كبارة” اعترَفُ انّ الرّحلةَ في ديوانِكم اسعدتني واشهدُ انّ الحبّ المتلاليءَ اخصَبَ تجربتَك الشّعرية والفنّيّة وأثراها، ونصّّد الأحرفَ بنار الهُيام الجارفِ الذي خلّفَ بعضَ الهنات اللغويّة البسيطة واحتاج الديوان َالى بعض التّدقيق ..وما ذاك الا قدَرُ الشّعر والشّعراء عندما يلفّهم الإعصار ،إعصار ُ الشّعر والمشاعر . . ” لحن المشاعر ” اسمٌ على مُسمّى” ووشْمٌ على خدِّ الشعر .!