سراب غانم
كنتُ في العشرينَ من عمري
حين قالَ لي أحدُهم
كم تشبهينَ اسمكِ
ثمَّ .. رحلَ
منذُ ذلكَ الوقت
وأنا أرى الرِّيبةَ
تعلو وجهَ كلِّ من يحاولُ
الاقترابَ مني
أرى حذرَهم
خوفَهم
عجزَ أيديهم
الممتدَّةِ نحوي لإمساكي
كمن يقبضُ على الماءِ بكفِّه
و بخيبةٍ مريرة
يرحلون
أسألُ نفسي
هل أنا “وهمٌ” كما يقولون؟!
أتلمَّسُ بكفِّي
تفاصيلَ وجهي
لأتأكَّدَ أنّني لا أشبهُه
اسمي
الذي لهُ منِّي هُويّتي
ولي منه كلُّ النّصيب
لمن لايعرفُني جيِّداً
أنا امرأةٌ
بي من التناقضاتِ
ما يَلفتُ نظرَ الأعمى
ما يجعلُني
أضحكُ من طيبةٍ
رآها أحدُهم بقلبي
في الوقت الذي تحدَّثَ آخرُ
عن لؤمٍ واضحٍ في عينيَّ
بي من النِّساء
اتِّزانُ الثلاثينيّات
بقلبٍ حنطةٍ
أنثرُهُ دفعةً واحدة
على شبَّاكِ بيتيَ الصّغير
وطيشُ مراهقة
أفتِّتُ رغيفَ قلبي التّائهِ
على الأرصفة
وأسوارِ الحدائقِ العامّة
بي من الأمِّ
خوفٌ وضعفُ
وبي منها لبوةٌ
إن مسَّ الخطرُ صغارَها
بي اضطرابٌ
إن أغمضتُ عيناً
أرحلُ بها مع الطبيعة
أجالسُ الطيورَ والشّجر
وأستحمُّ بماءِ النَّهرِ عارية
لتوقِظَ شرودي
عينيَ الأخرى
فأرى عاصفةً تسحبُ الشّجر
أسمعُ صراخاً
أصواتَ مرايا تتكسّر
أفتح عينيَّ..
فلا أرى شيئاً
بي من الحكمةِ
صمتُ العجائزِ
وبي
حماقةُ الجاهلينَ في التَّهوّر
من الفرحِ..
بي ضحكةُ الله على وجهِ طفلة
و من الغُصَّةِ
كِسرةُ خبزٍ
يبِستْ في حلقِ عجوز
أحبُّ الحياة..
أفتحُ لها جناحيَّ
أعانقُها
ومن خلفِ ظهرِها
أصوِّبُ الطَّلقةَ بدقّةٍ
جهةَ قلبِها
سهلةٌ أنا
كأن تحفظَ اسمَكَ
وصعبةٌ
كأن تحاولَ
شرحَ مقطوعةٍ موسيقيّة
خيالي..
أبعدُ من أنْ يَسَعَه العالمُ
وأقربُ من قطعةِ شوكولا
تذوبُ داخلَ فمي
معقدةٌ
كمسألةٍ ليس لها حلّ
وبسيطةٌ
حدَّ الماءِ في الكأسِ
لمن لايعرفُني جيِّداً
أنا
كلُّ النساءِ
مكرُ ذئبةٍ حينَ أصيدُ
وعند الهربِ
ضَعفُ غزالةٍ
بي من الأنوثةِ
سِحرُ عشتار
لكنَّها
أضيقُ أبوابي
مفتاحي
رأسي
فإن أردتَ الدخولَ من بابهِ العريض
عليكَ
أن تخلعَ حذاءَكَ خارجاً
و أن تمشي على رؤوسِ أصابعِك
صحراؤُه واسعةٌ
ستتعب
ستلهثُ وراءَ انكسارِ الضوءِ على الرملِ وتقولُ
إنَّهُ “الماء”
لن يكونَ وهماً
ستشربُ منهُ حتّى ترتوي
هو قلبي
حقيقتي المُطلقة
وأنا سرابٌ
لمن لايؤمنُ بالماء