لم يكنْ شجراً
كان بوابةً وبقايا نحيبٍ على الدّالية،
كان يختصرُ الوقتَ في الرّملِ، يمشي وتمشي هواجسُه خلفَه،
كان يجلسُ خلفَ ظِلالِهِ ليواري يدًا قطعتها الحياةُ، وكانَ كليمونةٍ وقفتْ عندَ بابِ الطريق، هنا سرْجُ أيامِه وتفاصيلُ ضيّعها الوجدُ في دفترِ الرّملِ، مَرَّ على جرحِه كغرابٍ تعبّأ بالحزنِ وباتَ على ليلِه حجرًا وندوب، كأنّ به عتمةً وزجاجًا تكسّر في منكبيه، هنا كان يحلمُ، يرمي خطاهُ ويمشي كفزّاعةٍ ألقمتْ قمحَها للحقول، وكانت أصابعُه شمعدانَ الحصادِ، وبوابةً للعصافيرِ، سربًا من النملِ، كانت وشومُ يديه، وكانت مواويلُه من حمامِ الحديقة،
كونٌ،
تهاليلُ جدّتنا في المساء،
وسائدُ مصفوفةٌ وأرائكُ من شجرِ الدارِ، مكحلةٌ وحصى، وبكى عندما مرّ في صور الأهل، بات على دمعِه، وهو يضمد شبّاكَه بعويلِ الرياحِ، فيا أيها الوقتُ كن حجرًا ورياحًا تمسّدُ أحلامَنا،
كنْ خزائنَ للظلِّ،
كنْ سُرُجًا وطرائدَ فضّيةً ودماءً،
وكنْ خرزًا وسراجًا،
ومِزْوَلةً شربتْها الشّموسُ،
نقودُ وعولَ الجبالِ إلى منتهى العشبِ، حيثُ ارتباكُ الفراشاتِ والتلِّ والسوسنة.
لم يعدْ بحرُنا بنوارسهِ موجةً للرمالِ ولكنّه ظَلَّ أزرقَ أزرقَ كالحُبِّ،
معراجَنا للسماء، وظلَّ على عهده يتوجّعُ عشقًا، كرمّانةٍ فرطتْ عُمرَها للطيور.
لا الرّياحُ تواسيه، لا شيءَ يؤنسُه في صباحِ البلاد،
وحيدًا قلائدُه خطأٌ في الطريقِ إلى الماءِ، يسعى وينسى يديهِ على خرزٍ وعقيقٍ،
هنا
نام
ظلٌّ يلوّحُ للهِ ثمّ توفّى.