المقال الأسبوعي في الوفد/ حتى نلتقي
ل ناصر عراق
ستظل السينما المصرية مدينة بالكثير للفنانة المتفردة ليلى مراد، كما سيتوقف تاريخ الموسيقى والطرب طويلا أمام المنجز الكبير الذي تركته ليسعدنا حتى الآن رغم أنها توقفت تمامًا، تقريبًا، عن الغناء والتمثيل وهي في السابعة والثلاثين من عمرها، فهذه السيدة التي يمر اليوم 27 عامًا على رحيلها وهبت الملايين شلالات من البهجة المستمرة من قرن إلى آخر (رحلت عنا في 21 نوفمبر 1995)
ولدت ليلى في 17 فبراير 1918، أي قبل اندلاع ثورة 1919 بعام واحد (عددنا ساعتها نحو 13 مليون نسمة)، الأمر الذي يجعلها ابنة هذه الثورة العظيمة التي حققت وثبات هائلة في المجتمع المصري على جميع الأصعدة: في السياسة والاقتصاد والفكر والأدب والفن، والأهم، في تعزيز شعور المصريين بأنفسهم، ما جعلهم يلهثون للحاق بركب الحضارة بعد أن تيقنوا حجم المسافة بينهم وبين الغرب المتقدم.
عرف الجمهور صوت ليلى قبل أن يرى وجهها الجميل، فقد تولت الغناء، في فيلم (الضحايا) الذي كتب قصته فكري أباظة وأخرجه الإيطالي ماريو فولبي، حيث عرض في 25 فبراير 1935، وبعد ذلك التقطها الموسيقار الأعظم محمد عبدالوهاب، ليقدمها للجمهور للمرة الأولى في فيلمه الثالث (يحيا الحب) للمخرج محمد كريم، والذي عرض في 24 يناير 1938
قامت ليلى مراد ببطولة نحو 27 فيلمًا في غضون 17 سنة فقط، آخرها كان (الحبيب المجهول) مع حسين صدقي وكمال الشناوي، والذي عرض في 23 مايو 1955 كما جاء في (دليل الأفلام في القرن العشرين) للناقد والمؤرخ السينمائي محمود قاسم
حررت ليلى فن التمثيل من سجن الخطابة الذي حاصر الممثلات قبلها، فقد كان المنطق المسرحي في الأداء هو السائد، وهو منطق يتكئ على المبالغة في الصوت والحركة حتى يتمكن من يجلس في آخر مقعد بصالة المسرح من المشاهدة والمتابعة، أما السينما فلها منطق آخر، يعتمد على الاقتصاد في التعبير لأن الكاميرا قادرة على اقتناص أية همسة أو حركة أو نظرة
تذكر معي ملامحها المريحة وخفتها اللطيفة في أفلام (غزل البنات/ ليلى بنت الأغنياء/ بنت الأكابر/ عنبر/ حبيب الروح/ ورد الغرام/ شاطئ الغرام) وغيرها، كما أن هذه الأفلام احتشدت بعشرات الأغنيات الجميلة المتنوعة المعبرة عن الوله والعشق والهجر واللوعة، والشقاوة اللذيذة أيضا
اعتصمت ليلى مراد بعزلتها 12 عامًا متواصلة، فلما تعرضت مصر لهزيمة 1967، كسرت تلك العزلة وترنمت بأغنية بديعة تشد أزر الجيش المصري بعد النكسة. يقول مطلع الأغنية التي كتبها فتحي قورة ولحنها منير مراد: (يا رايح على صحراء سينا/ سلم على جيشنا اللي حامينا)، ثم عادت لتختبئ في شرنقة العزلة، إلى أن كسرتها مرة ثانية وأخيرة في 1978 تقريبًا حين دعتها النجومية الطاغية لمحمود ياسين آنذاك، لتغني مقدمة المسلسل الإذاعي (لست شيطانا ولا ملاكا)، الذي لعب محمود بطولته مع نجلاء فتحي، والتي يقول مطلعها (ويا عيني ع الدنيا)
باختصار… ليلى مراد… سيدة البهجة الغنائية
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي