مآخذ عدّة أبداها طه حسين على الأدباء الشباب، في زمنه، سنعرض هنا لثلاثةٍ منها، الأولان يتصلان بالعلاقة بين القديم والجديد، حين أبدى دهشته من أولئك الأدباء كيف ينسون أنهم في كل مرحلة من مراحل تعليمهم في المدارس والجامعات والمعاهد العليا لم يكونوا يتلقون علماً عربياّ فحسب، وإنما تلقّوا مع هذا العلم العربي الخالص ألواناً من العلم الأجنبي لم يكن متاحاً لأمثالهم من التلاميذ والطلاب في القرن الثامن عشر، حيث لم يدخل هذا العلم حياتنا، وبالتدريج، إلا في القرن التاسع عشر.
ومع ذلك، فإن الكثيرين من هؤلاء الأدباء الشباب يتنكرون لهذه الحقيقة، ويتجاهلون أن معارفهم هي ناتج ما تعلموه من علم عربي وغير عربي، ويبدون تنكراً للثقافات الأخرى التي ساهمت، عبر المدارس والجامعات، في تعليمهم وتثقيفهم. وأكثر ما كان يغيظ طه حسين في الأمر أن هؤلاء الشباب لا يسألون أنفسهم من أين جاءت كل هذه المعارف، وكيف اجتهدت الأجيال وأنفقت من الجهد لتُوطنها في مجتمعهم، ويبالغون في إنكارهم للحضارة الحديثة أشدّ الإنكار، مع أنهم ينعمون بآثار هذه الحضارة وثمارها.
لا يقول طه حسين هذا من باب التعصب للثقافة الحديثة، الغربية، كما اتهمه خصومه بذلك، مع أنه لا يمكن لأحد أن يزايد عليه في تمكّنه من ثقافته وتاريخه العربيين، بحكم ما أتاحته له نشأته الأزهرية من معرفة قوية بهما، لذا لا نندهش أن مأخذه هذا على الأدباء الشباب، رافقه مأخذ آخر لا يقلّ أهمية، هو أنهم لا يعرفون تراثهم العربي ولا يحسنون لغته، وبسبب ذلك «يفزعون إلى اللهجة العامية إذا كتبوا، أو إلى لغةٍ عربية تعوّج وتسف»، منتقداً عجزهم وكسلهم في الإطلاع، فهم يكرهون قراءة لا الآداب الأجنبية وحدها، بل قراءة التراث العربي نفسه، تماماً كما لا يعرفون الحضارة التي ينتفعون بها في حياتهم المادية ولكن لا تستسيغها عقولهم، داعياً إياهم إلى ابتغاء الوسائل المفضية إلى تكوين شخصياتهم بإتقان العلم القديم والجديد معاً.
المأخذ الثالث الذي أبداه طه حسين على هؤلاء هو مبالغتهم في الرضا عن أنفسهم وعما ينتجونه من أدب، فهم يطمئنون إليه، ويرون أنهم قد بلغوا الغاية، مع أنهم لم يجاوزوا أول الطريق.
حول ذلك يقول العميد: «لستُ أعرف شيئاً أشدّ خطراً على الأديب من أن يؤمن بنفسه أو يرضى عن إنتاجه، أو يظنّ أنه بلغ الغاية من المعرفة والأدب فأصبح وحيد عصره الذي لا يشق له غبار».
لا نحسب أن مآخذ طه حسين الثلاثة هذه تقتصر على الأدباء الشباب في زمنه. هي آفات مستمرة حتى اليوم وربما بأشدّ مما كانت عليه.
د. حسن مدن للخليج