الجماهير الغفيرة التي اكتظت بها الممرات والأماكن المخصصة لاستقبال نجم الكرة المصري العالمي محمد صلاح اثناء استضافته في معرض الشارقة للكتاب عبرت عن فكرة مهمة جدا خلاصتها ان ما يجذب الجماهير ليس بالضرورة هو نفسه الذي يجذب ويؤثر ويهم الفرد ، فالفرد يفكر بروية ويبحث عن الأمور المقنعة ، اما الجماهير فمحكومة بمنطق الجماعة ومنساقة لميكانيزمات نفسية مختلفة وهذا ما تحدث عنه جوستاف لوبون في كتابه ذائع الصيت ( سايكلوجية الجماهير )
هذا يعني انك كفرد في وسط الجماهير فانت مجبر على ان تعمل وتفكر بطريقتها ، وعندما تنفصل عنها سترى الأمور بشكل مختلف تماما ! اقول ذلك لان الجمهور كان يصفق بحرارة للنجم الشاب عندما تحدث عن قراءاته وذكر اسماء الكتب التي قرأها ، في الوقت الذي شن كثيرون وبصفة فردية هجوما على النجم نفسه على مواقع التواصل ، بحجة ان تلك الكتب بسيطة والقراءات تافهة ، ولا تقدم صورة لنجم عالمي يفترض ان يكون على جانب كبير من الثقافة كي يؤثر في الشباب ، خاصة وهو يعيش ويتحرك في الغرب الذي يهتم ويقيم وزنا للقراءة والثقافة !
والحقيقة فان محمد صلاح يعلم انه يخاطب جمهورا من الشباب ، تروج بينه قراءة مثل تلك الكتب التي ذكرها والتي قرأها بالفعل ، وأظن ان مستشاريه وطاقمه المساعد، قد قدموا له معلومات عن ذلك استعان بها في الاجابة على الاسئلة التي تم طرحها عليها ، وقد اجاب عليها بكل أريحية وثقة وتواضع جم ، ما زاد في تألقه واعجاب الجماهير به لأنهم تيقنوا انه يشبههم تماما حتى فيما يقرأ !
محمد صلاح لاعب كرة قدم عالمي ، تصفه الصحافة باللاعب ذو الإنجازات التاريخية ، وقد بنى نجوميته بشكل عصامي وبإصرار وثبات قائم على شغفه باللعبة وإيمانه بقدراته وموهبته ، وان يخصص وقتا للقراءة وسط هذا السعي ومعركة التحديات التي يخوضها ، فهذا امر يستحق الإشادة وسط عالم من النجوم لا يفتحون كتابا في حياتهم ان في الرياضة او غير الرياضة بينما لا يلومهم أحد ، أما ماذا يقرأ فتلك مسألة تخصه ، فليس مطلوبا من ( مو صلاح) ان يتخصص في الادب او يقرأ لكتاب نوبل ، ليكون مرشد قراءة لشباب العرب ، هذه ليست وظيفته في الحياة ، والا فماذا يفعل نجوم الادب والثقافة ووزارات الثقافة ومناهج التعليم والسينما والفنانين اذن ؟ تلك مهمتهم فليتصدوا لها ان استطاعوا … ؟
ان محمد صلاح لاعب كرة ناجح جدا ، يستحق ذلك التصفيق الشديد الذي يستقبل به أينما ذهب ، يكفي ان ما حققه كان ثمرة جهد وتعب واصرار شخصي ، لم تقف معه دولة ولا اجهزة رياضة كبرى ، لذلك فهو يمثل للجماهير العربية وغير العربية حالة التحقق الواقعي لفكرة مركزية في ذهن اي انسان : فكرة البطل معبود الجماهير الذي يحقق النجاح والامل واعجاب الجماهير العريضة ، رغم كل المعوفات واعداء النجاح ، وهذا سبب لاستضافته في معرض الشارقة وفي اي مكان ، لقد اختار هذا البطل ان يكون صادقا منسجما مع خياراته ويعبر عن نفسه بحرية ودون إملاءات وكذب ، وخيرا فعل .
ان الجماهير تفكر بطريقة مختلفة عن الفرد المستريح على أريكته ، المبتعد باختياره عن التأثيرات وإملاءات الجماهير والذي يتفرج على المشهد من خلف الشاشات ، والذي يبحث عن الحقيقة بالأدلّة والبراهين وينتقد ببساطة ، الجماهير عكس ذلك، فهي عبارة عن كتلة من البشر تبحث عن البساطة والمتعة والامل لتسير نحو الهدف الّذي تتوق إليه، وقد فهم محمد صلاح ببساطة ، لانه تجسيد حقيقي لهذه البساطة .
لقد منح صلاح جماهيره ذلك الهدف عبر اسماء تلك الكتب البسيطة التي يقرؤونها بالفعل ، وهذا دليل ذكاء وفهم ، انه ابن هذه الجماهير ، ومدين لها بما وصل اليه ، لذلك يعرف كيف تتحرّك وما الذي يؤثر فيها ، يبقى ان نسأل المثقفين الذين يقرؤون الكتب العظيمة هل تستطيعون الوصول لهذه الأعداد الغفيرة من الجماهير التي تصفق لصلاح بتلك الكتب ؟
أبجديات
الثلاثاء 19/11/2024