«إننا نقضي عامين كاملين من حياتنا في الاستحمام.. ترى كم من الوقت والمال والماء نخسر؟». قائل هذه العبارة أستاذ جامعي في كلية الصحة العامة بجامعة يال وطبيب مختص في الطب الوقائي، ووردت في مقال له، قبل سنوات، بعنوان: «أقلعت عن الاستحمام واستمرت الحياة»
يبلغ هذا الطبيب سبعة وثلاثين عاماً من عمره، واسمه هامبلين، ونشر في العام 2020 كتاباً بعنوان: «النظافة: العلم الجديد للبشرة وجمالية القيام بفعل القليل»، عرض فيه لتجربته ورؤيته حول عدم الاستحمام، ومع أنه أكد على أنه لا ينبغي التوقف عن غسل أيدينا بالصابون وتنظيف أسناننا، لكننا، حسب رأيه، لسنا بحاجة إلى أن نكون بهذا الثبات مع بقية أجزاء أجسادنا، وفي نوع من طمأنة من سيستهجنون دعوته هذه يقول: «بمرور الوقت، يعتاد جسمك أكثر فأكثر، لذا لا تنبعث منه رائحة كريهة إذا لم تستخدم مزيل العرق والصابون»
هناك رجل آخر، من إيران هذه المرة، ليس طبيباً ولا خبيراً ولا مؤلف كتب، وليس لديه ما يقوله أو يشرحه عن سبب توقفه عن الاستحمام لمدة خمسين عاماً متواصلة، سوى أنه تعرض لانتكاسات عاطفية في شبابه، جعلته يزهد الحياة ويتنازل عما يراه أوجه الترف فيها، ولا يقتصر الأمر على عدم استحمامه كل هذه العقود، وإنما يشمل نظامه الغذائي الغريب، فيأكل لحوماً فاسدة ويشرب مياهاً غير صحية، ووجبته المفضلة كانت «الدعلج» (نوع من القوارض)، إضافة إلى شراهته في التدخين، وعاش بين حفرة في الأرض وكوخ من الطوب بناه جيرانه
الرجل ويطلق عليه أهل قريته اسم «عمو حجي»، توفي مؤخراً عن 94 عاماً، وسنفاجأ حين نقرأ أنه توفي بعد اغتساله لأول مرة قبل أشهر، وهو ما كان يتجنبه لأكثر من نصف قرن خوفاً من إصابته بالمرض، وهذا ما حدث بالفعل..اغتسل ثم مرض ومات
لم تجد وسائل الإعلام وهي تبث خبر وفاته سوى هذا العنوان المستفز: «وفاة أقذر رجل في العالم». كيف لإنسان مهزوم، منسحب من الحياة، غير مؤذ لأحد أن يكون أقذر رجل، فالقذارة ليست وسخ الجسد وحده، إنما هي الفعل القبيح، فكيف يصبح «الغلبان» عمو حجي هو الأقذر في عالمٍ يضج بصناع الحروب والفتن وسرقة الأموال العامة ونهب ثروات الشعوب، واضطهاد البشر، ممن تليق بهم صفة القذارة بامتياز؟
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي