كلمة العدد بقلم الأديبة إخلاص فرنسيس
لا يهم عدد اللغات التي يتقنها الإنسان، المهم هي اللغة التي لا تحتاج إلى قلم وورقة ولسان، بل اللغة التي تترك بصمة في قلب الآخر وروحه، وتتلخص أولا في رؤيتك للناس. إن صورة الإنسان تتبدّل بلمح البرق، وأمام أنظارنا ما يجعلنا نشعر بالدوران. المحبة تتحول إلى نقمة بسرعة الضوء، وأحد عناصر اللغة التي ينبغي على الإنسان اعتمادها هي الإرادة، فالإرادة هي التي تمد الإنسان بالحياة، وهي التي تتجلى في كل ما حولنا في الطبيعة، وهي القوة الجاذبة، ما أسهل أن ينطق الإنسان بكلمات نابية، وما إن يجد وقعها على الآخر يكون غير قادر على تغييرها أو محوها. الكلمة المنطوقة تفرض ذاتها شئنا أم أبينا إلى أبعد مدى، الآخر يمثلني، هذه الحقيقة الوحيدة التي تستطيع أن تغيّر لغة الفرد، والقادر على إدراك هذه الحقيقة عندها يلمس باليد، ويرى بأم العين العالم المحيط به، ويدرك عندها أن الارادة هي اللغة المطلقة «الحكمة»، وهي الصورة الأعمّ عن الزمان والمكان الذي يعيشه، صورة مسبوقة وحاضرة ومستقبلة.
إن الذات هي دعامة العالم، عندما تتماهى ذات الفرد في الآخر، تلامس حياته، وتنتمي إليه، كل منا يحتاج إلى مرآة يرى نفسه فيها، في هذه الغربة نحن عطشى لأن ننطق بكلمة الحق.
نموذج آخر للغة التي يمكن للإنسان أن يتقنها هو الوعي، فالوعي في عالمنا المثخن بالجراح لغة بليغة نعلن من خلاله الحب على الآخر، علينا أن ندخل في محاورة الأنا المراجعة النفس مع النفس، نتدثر بالصمت بلغته المتفردة ومفرداته الخاصة، نطلق العنان لتلك الفضيلة العظمى، ونخوض التجربة باستقلالية خاصة وحاسمة، تعمل إرادة التوازن، حينها نتمكن من الدخول إلى أعمق أعماق النفس. يقول جيمس راسل لويل: «مهما كانت قناعاتك فثق من أمر واحد هو أنك تشبه الآخرين إلى حد مروّع»!
اللغة ذلك الخيط الرفيع الذي يفصلنا عن الآخر، ليست مجموعة ألفاظ، بل علاقات إنسانية صريحة، حروف أبجديتها نبض مشتعل، فبدون لغة الإرادة ولغة المحبة الحكمة لا نستطيع أن تكون الصورة التي نريدها في ذواتنا في الآخر، بل جثة تتحرك، تنتظر جموع المشيعين إلى مثواها الأخير، فبالعلاقات الإنسانية والرقي بالروح من خلال مواجهة النفس نلملم الجسد الممزق، ونعيد بناء الذات الآدمية. نحن في زيارة خاطفة إلى هذا الكوكب المثخن، لندع الذات تحتضن البعد الثالث من الآخر، في مصالحة بين العقل الواعي والإرادة الحرة