اخلاص فرنسيس
مدينة الحبّ والجمال، نضج رمّانها، وكان زمنها زمن الحبّ، أسقطوا عنها أوراقها، عرّوها، وقالوا عنها: عورة. أحرقوا أناملها غيرة، لأنّ أبجديّتها أنارت العالم، وسحلوا جسدها المسجّى. تأكله ديدان الأرض، لأنّه كشف قبحهم. نامت أنثى البحر، شقّوا صدرها للنورس يلعق ملحه، هديل الحمام في سمائها. أرعبهم نور الجمال، والحقّ بدّد أطماعهم. كانت الأمّ لأمّة واستمراريّة حضارة، شرّعوا لريح الحقد أبوابها، خلّعت أعاصير النار نوافذها، شرب البحر من قرمزها، صرخ الموج بأيّ ذنب أضرب؟ وفتح حضنه رحمة يلقف قتلاها، والأرض تصرخ، ضجيج ظلمهم وظلامهم. هوت قلاعك يا بيروت، وغطت المسوح شوارعك
ارتوت الأزقّة بطهر الأطفال، وقوداً وذبيحة جشعهم جعلوك، وبنوا من رفات ضحاياك عروشاً، وجلسوا أسياداً، يتجرّعون خمرة الانتصار، يتبادلون الأنخاب في كأس انكسارك، لا يا بيروت، قومي استيقظي، أتت ساعات السحر. ها بنوك يكنسون عار هؤلاء، ويغسلون بالدموع ترابك، ويحيكون لك ثوب عرس من نور وبخور
قومي من تحت الفاجعة، لا يليق بك السواد، أنت سارية ومنارة، أنت رجاء المسحوقين، أنت راحة المتعبين، أنت المعنى في غياب المعنى، أنت الأغنية والحرف، أنت الأرز، شجر الدفلى والسرو، أنت بخور الزيتون، أنت الميرون
لو أستطيع يا بيروت أن أُعيد ترتيب أطفالك في الشوارع والحدائق لفرشتها من شغاف قلبي، ليزرعوها أجنّةً وأعنّةً وصهيلًا ….آهِ.. يا بيروت، لو أستطيع أن ألتقط قوس قزح لبنيت منه منازلك، ورسمت بالغيم نوافذها، يسكنها العاشقات اللواتي ينتظرن سفن الرّيح تحمل طيف من رحلوا
لو أستطيع لأعدت بناءك من يوميات بطولات رجال الإطفاء، وزيّنت أزقتك بملح البحر وشقائق النعمان، وجعلت السماء حارسها، والقمر والنجوم جنودها، ورتّبت سقفها من أحلام الشباب، وزيّنته بفستان “سمر” ربيعيّاً مزركشاً بالبنفسج والنرجس والياسمين ورائحة الغائبين
لو باستطاعتي إعادة رتق جرحك لنثرت ندى الفجر شفاء، وأخذت خيوط الشمس الذهبية لأنسج قبة معبد للحبّ فيها، وفي وسط الساحات نصبت عيني نافورة تجري ليل نهار، وبسطت يدي للعنادل تنقد الأغاني من كفّي، وزندي للبلابل تستكمل كتابة الأناشيد، ووريدي دواة وأحبار، لاستعرت من الفراشات قناديلها تزين شوارعك، والمرجان والياقوت وحبار البحر ثريّات تتدلّى من شرفاتك، وفي كلّ مساء أعدّ مائدة عشق، وأدعو البحر للعشاء، أرتمي في حضنه، أودّع الألم، وأشرب نخب الحياة