هلا ياسين
غالبا ما نُعرّف البرزخ بأنه الحد الفاصل بين شيئين،أو الأرض الضيقة بين مجالين مائيين،كذلك ننسحب إلى مجالات الفن،لا سيما الأدب واللغة،وهنا يتواجد بينهما أيضا عالم البرزخ في مجال التلاقي والجمع أو التباين والفصل،حيث صراع التصورات حول لا نهائية الرؤى إلى الكتابة والقراءة بوصفهما مكان تشريح العالم والذات الإنسانية
كيف نفهم استعارة المرايا في النص،من خلال الإئتلاف والاختلاف؟وكيف ينعكس ذلك في الذات القلقة فتحجب حينا وتتكشف حينا أخرى…؟
للقراءة وظيفة وجودية،بل وتزيدنا في إغراق الذات اليومية لنصبح أكثر جمالا
فالنص الذي يسعى إلى استثارة وجدان القارئ،يسهم بلا شك في تغيير الذات القارئة لديه إلى حال أفضل
فالقراءة تعدل الفهم،إنها وسيلة غايتها الكشف،وفيها تأمل الذات وسكينتها.ومن خلال القراءة الأولى تتراءى لنا الصور وظلال المعاني،أما بوجود فاصل زمني للتفكير واستحضار الصور هنا نصل إلى إعادة إنتاج المعاني وتبرز الذات القارئة في تأويل فهم تجربة الآخرين ومعاصرتهم
يقول الفيلسوف بول ديكور بإطلاق مفهوم “إنصهار الآفاق” أي” أن المعاصرة هي فهم الذات في ضوء تجربة الماضي،وفهم الماضي انطلاقا من حاضر الذات،لتنصهر التجربتان أو الأفقان أفق الماضي وأفق التوقع المستقبلي الذي يهرب فيه النص أحلامه وتصوراته،ويصرح بعالم آخر ممكن.”
– فما يخطه المرء على الورق هو بمنزلة مرآة لنفسه وأحواله
– فما يخطه المرء هو بمنزلة حركة دائبة للخروج من الذات والإنفتاح على الآخر
– بداية كل كتابة تكمن في القراءة وهنا نكتب لنخط التجربة الذاتية من خلال حضور عالمي الترسب والإبداع
– الكتابة دعوة لإعادة التفكير في الرؤية إلى العالم،رؤية ليست ظاهرية،بل أنطولوجية نستشف من خلالها جوهر الكيانات والأحداث والتاريخ،فلا نصف الماضي بالأحداث التي مضت وانتهت بل نتعلم من تجارب الماضي وهنا نصل إلى ارتقاء الذات الإنسانية
يطول ويطول الحديث عن الذات بكونها موضوعا للمكاشفة،مرايا الذات الإنسانية في تحمل لا معقولية الواقع وعنفه، والخروج الآمن للذاكرة من دهاليز الماضي ومآسيه، بالوعي الممكن والتفكير نصنع نسيج الحياة المليئة بالتجارب فننتج هويتنا المقبولة
فأي نص وأي كتابة نجد فيها فضاء برزخيا،فيتسنى لنا من خلال القراءة هدم الحدود بين الواقع والتخييل، وهذا عتبة الزمكان والعبور من الإيديولوجيا إلى يوتوبيا الأحلام لنؤسس هوية الذات من خلال “كان” إلى مرآة الذاكرة لنصل إلى ما “يكون”
فنحن من نصنع المستقبل، أزمنة مترعة بمرايا الذات لنسقي البوح من كل فجاج العمر ،ونسعى بالحقيقة العارية كمساء يمطر فرحا ويُشرق منه رذاذ صباح مبتسم
إن التنافس مع الذات هو أفضل تنافس في العالم،فكلما تنافس الإنسان مع نفسه كلما تطور،بحيث لا يكون اليوم كما كان بالأمس،ولا يكون غدا كما هو اليوم
سوف أكتب رغم كل شيء، سوف أكتب على أي حال، إنه كفاحي من أجل المحافظة على الذات
إننا لا نتوصل إلى ذواتنا الحقيقة إلا إذا ذابت الذات في القراءة وهي البداية لنصل في ما بعد إلى معرفة الذات الإنسانية
يقول سقراط: الحياة ليست بحثا عن الذات،ولكنها رحلة لصنع الذات،اخلق من نفسك شيئا يصعب تقليده
وأخيرا اللغز النهائي هو الذات،والكتابة هي من تكرار الذات،وهي النزول إلى الهاوية الباردة للنفس
كما الموسيقى هي انعكاس للذات كذلك القراءة والكتابة فاجعل ذاتك هي المكان،فهذا هو الحب