ناصر عراق
أكثر من نصف أيام الشهر الفضيل مرت بسلام، ومازالت البذاءة سيدة الموقف في معظم مسلسلات رمضان 2023. هذه البذاءة المقززة لا تقتصر عند رجل محدود التعليم أو امرأة جاهلة في هذا المسلسل أو ذاك، وإنما تصدمنا الألفاظ السوقية التي يتفوه بها طبيب ومحامي ومدرس ومهندس ورجل أعمال… ووو… وربما تلوثت بالبذاءة نفسها حنجرة أستاذة جامعية أو سيدة مجتمع أو أم أو حتى جدّة… الكل في مستنقع البذاءة ساقط
هل هذه هذه لغة المصريين الآن؟ هل هذا هو الشائع في الحوار بين أهل بلدي؟ هل أمست العبارات المبتذلة والمفردات الغليظة شيئا عاديًا تستقبله الأذن (بطرب وسعادة)؟ لا أظن، فالواقع الحقيقي شيء، وبذاءة المسلسلات شيء آخر
أعرف جيدًا أن شيوع البذاءة مقترن بظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية محددة وقاسية، هذه الظروف جوهرها انقسام المجتمع إلى طبقتين رئيستين: الأثرياء والفقراء… أصحاب السلطة والنفوذ من جهة… والمساكين المعذبين في الأرض من جهة أخرى… باختصار تسود البذاءة حين ينقسم المجتمع إلى سادة وعبيد
السادة يلجأون إلى البذاءة تعبيرًا عن سلطانهم وعنجهيتهم وتعاليهم وأموالهم المكدسة، بينما يعتصم البسطاء بالبذاءة تنفيسًا عن السخط والغضب والشعور المتنامي بالظلم وانسداد نوافذ الأمل، فهل صارت مصرنا العزيزة بهذه الصورة القاتمة؟
لقد شاهدت أكثر من خمسين حلقة حتى الآن من مسلسلات رمضان، وأزعم أنه لا تكاد تخلو حلقة من كيل من الشتائم والسباب والتعبير بألفاظ منحطة يقذفها طبيب أو محامي أو أستاذة جامعية! تخيل محامي يقول لرفيقه (يضربك على قفاك)، أو أستاذة جامعية تصيح في وجه زوج ابنتها (يجيبوك من قفاك)، أو زوجة تعاير زوجها وصديقه قائلة: (فلانة جرّتكم وراها زي الخرفان)
لاحظ أنني ذكرت أبسط العبارات الخشنة، ولم أشأ أن أكتب ما هو أبشع، فلم أتعود على ذكر الغليظ من الكلام، ولا أريد، بل أرفض ذلك
قد يقول قائل: لقد صارت هذه لغة المجتمع الآن بطبقاته وشرائحه كافة، والفن ينبغي أن يعكس ما يدور في المجتمع بأمانة، وعليه لا لوم ولا تثريب على ما نشاهده في المسلسلات الرمضانية من قبح لفظي مرفوض
في ظني أن الفن ليس انعكاسًا ميكانيكيًا للواقع، وإنما هو تكثيف لهذا الواقع بأسلوب يستهدف الرقي بالذوق العام، كما يصبو إلى إمتاع المتلقي، ولنا في أفلام صلاح أبوسيف أسوة حسنة
لقد قدم لنا الرجل الحارة المصرية، أي حياة الناس البسطاء، في أكثر من فيلم أذكر منها (الأسطى حسن)، و(شباب امرأة)، (بداية ونهاية) و(السقا مات) وغيرها، ولم نسمع في هذه الأفلام تلك العبارات البائسة المحشوة بألفاظ بذيئة ومفردات مشينة منفرة
حتى أفلامه عن الطبقة الوسطى مثل (الوسادة الخالية/ الطريق المسدود/ أنا حرة/ لا تطفئ الشمس) وغيرها، خلت من هذا البؤس اللفظي الذي يطاردنا في مسلسلات هذا العام
ليت بعض صناع الدراما المصرية يتعاملون مع الفن بدرجة أكبر من الاحترام والإتقان والتقدير
غرفة 19
- إنسـان فيتـروفيـوس- للفنان الإيطالي ليــونــاردو دافـنـشـي، 1487
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم