
إعداد: دكتور صبري حمادي
أستاذ اللغة العربية في قسم اللغات الأجنبية بكلية واشتناو – أن آربر
أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة الموصل سابقا
أستاذ النقد الأدبي المعاصر والعميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة ذمار
لا شك في أن الكتاب هذه الأيام يشكو من الإهمال وعدم الاهتمام، فهو الرائد المنسي، وفي ظنه أنه لن يُنسى لأن بعض أفكاره التي احتضنها وبشّر بها قد تحققت، وحين أصبحت حقيقة ماثلة انشغل الناس بها ونسَوه، الكتاب هذا الرائد المنسي الذي حقق للإنسان ما لم يحلم به، وما هذه التكنولوجيا العملاقة إلا من بعض ثماره.
وحين تسنح فرصة لمعرض كتاب فإنها إنجاز وإنصاف لدور الكتاب، صحيح إن هذا الإنجاز قد لا يكون مكتملا أو مما يرضي جميع الأذواق – وهذا غير ممكن طبعا لأن “رضى الناس غاية لا تدرك” كما يقول المثل العربي – فإن مثل هذه الخطوة، أو لنقل هذه البذرة أو الشمعة لا ينبغي لنا أن نتجاهلها ونبني انطباعا سلبيا عنها، وإنما نسعى إلى تكرارها وتجاوز السلبيات إذا كانت هناك سلبيات، هذا من جانب ومن الجانب الآخر أننا هنا في ديربورن هذا المستقر العربي ولا أقول المغترب لأننا اعتدنا أن نعيش هنا، ولنقل أن بعض أوطاننا تصعب الحياة فيها الآن، وقد سنحت لنا فرصة معرض للكتاب العربي ولقاءات تدار باللغة العربية وبحضور إعلاميين ينقلون فعاليات المعرض اليومية لأوطاننا هناك أو لوطننا هنا، أفلا يعتبر هذا مدعاة للفخر وحافزا لنا كي نكرر هذه البادرة الأولى من نوعها في هذا المكان؟ وقد رأيت أن بعض المؤلفين من ديربورن قد جلبوا بعض كتبهم كي يرفدوا المعرض بمزيد من الكتب المتنوعة، وهذا موقف إيجابي يشكرون عليه.
ثم أن معرض الكتاب لم يقتصر على الكتب فقط فقد كانت هناك فعاليات أخرى على هامش المعرض، ولأن المعرض تزامن مع امتحانات طلابي، لذلك لم أستطع أن أحضر جميع الفعاليات وأن أسجل انطباعا ما عنها، ولكني حضرت فعاليتين كانتا ناجحتين بامتياز من وجهة نظري، بدليل عدد الحاضرين من جانب ومن الجانب الآخر ذلك الحوار الذي جرى بعد أن انتهى المحاضرون من إلقاء محاضراتهم، الفعالية الأولى: هي التي خصصت لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها أو اللغة العربية كلغة ثانية، وكان المحاضر الأول هو أستاذ عون جابر الذي تحدث عن تجربته في تدريس العربية في جامعة (ون ستيت) على مدى عشرين عاما، تلاه دكتور وسام المليجي الأستاذ المشارك في جامعة مشيكان في تخصص الأدب المقارن وهو أيضا يدير مركزا للدراسات العربية الأمريكية. وكلا المحاضرَيْن أجاد في طرحه، ومن منطلق تجربته الشخصية في مجال تدريس العربية. وقد أدارت الحوار الذي دار بعد المحاضرة الدكتورة فريال.



وأما الفعالية الأخرى التي حضرتُ فيها وشاركت في الحوار الذي تلاها، فقد أدارها الإعلامي أستاذ سمير حداد، وكان موضوعها عن “التراث العربي المهاجر وكيفية تشكيل الهوية الثقافية”، وقد بدأت المحاضِرة الأولى أستاذة إخلاص فرنسيس بالحديث الذي تشعب وتنوع بحيث تناول التراث العربي وكيف نحافظ عليه وكيف ننقل الجيد منه إلى أبنائنا، والجدير بالذكر أن إخلاص فرنسيس ناشطة ثقافية بامتياز ولديها قناة فضائية تحت مسمى الغرفة ١٩ وتدير مجلة دورية، وتعد لندوات ومهرجانات ناجحة هنا في أمريكا وفي القاهرة وسواها. وأما المحاضِرة الأخرى الدكتورة والشاعرة هالة شرارة فقد تخللت محاضرتها قراءة شعرية لبعض قصائدها، تلا ذلك نقاش عن موضوع الهوية العربية والتراث العربي شارك فيه الحاضرون وبحماس بالرغم من ضيق الوقت لأن ثمة لقاء آخر بعده، لم أستطع حضوره للأسف، مع أنه مهم لأنه عن الدوريات التي تنقل إلينا أخبار الجالية، وأولها صدى الوطن لرئيس تحريرها أستاذ أسامة السبلاني والأخرى مجلة العربي الأمريكي التي يرأس تحريرها الأستاذ عبد الناصر مجلي الذي أسس موقعا على شبكة الأنترنيت أسماه شبكة الأمة بيرس اليمنية الأمريكية، ولديه أيضا برنامج إذاعي أسبوعي.
وفاتني أيضا أن أحضر لقاء عن موضوع تقارب الأديان والسعي لتقبل الآخر، وهو موضوع حساس وفي غاية الأهمية نظرا لاستمرار سوء الفهم للدين حتى وقتنا الحاضر، لأن الدين في جوهره يحمل رسالة المحبة والسلام والتسامح والخلق السامي كما يفترض به أن يكون، ولكن للأسف حين يكون الدين قناعا للسياسة وغطاء لأغراض بعيدة عن أهدافه الراقية فإنه يفقد قدسيته ويتحول إلى شيء آخر لا علاقة له بجوهر الدين وسجاياه وحاجة الإنسان الفطرية إليه.
وفي الختام لا بد لي أن أشكر أستاذ كريم أيوب الذي اقترح مدينة دير بورن مكانا لها، وكلي أمل في أن يكون هذا المعرض دوريا يقام في كل عام بحيث يعتاد عليه أهالي ديربورن، وينتظرونه ويرفدونه بما لديهم من كتب وفعاليات، كما أشكر كل من ساهم أو ساعد في إنجاح هذا المعرض، وفي مقدمتهم عمدة مدينة ديربورن الشاب عبد الله حمود الذي افتتح هذا المعرض في يومه الأول.
