القصة القصيرة في مفترق طرق: بين عبقرية الإنسان وذكاء الآلة”
“هل الإبداع يُستعار… أم يُولد من وجع التجربة؟”

في عصرٍ تُعاد فيه صياغة كل شيء على ضوء الثورة الرقمية، أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا حاضرًا بقوة في مجالات متعددة، من الطب والتعليم، إلى الفن والأدب. ولكن حين نتحدث عن القصة القصيرة، والتي تقوم على تكثيف المشاعر، وتفجير اللحظة الإنسانية في مساحة محدودة، يثور تساؤل مشروع: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون عونًا في هذا الفن، أم أنه تهديد يفتقر إلى جوهر الإبداع؟
لا شك أن أدوات الذكاء الاصطناعي توفر للكاتب إمكانيات هائلة، بدءًا من اقتراح الأفكار، إلى تحسين الصياغة وتحليل الأسلوب. إلا أن هذه القدرات، وإن بدت مذهلة، تظل محصورة في نطاق تقني بارد، لا يمتلك القدرة على الشعور أو التفاعل الوجداني. فالمشاعر، وهي لبّ القصة القصيرة، لا تُصطنع، بل تُولد من رحم المعاناة، والفرح، والقلق، والخسارة، والتجربة الحقيقية.
خذ مثلاً قصة شاب شهد مذبحة فقد فيها أسرته على يد قوات الاحتلال الصهيوني. هذه التجربة لا يمكن استيعابها من خلال خوارزميات. فالسؤال المحوري في هذه القصة: هل يتحول هذا الشاب إلى مناضل يحمل قضيته؟ أم إلى إنسان محطم تطارده الكوابيس؟ هذه ليست مجرد حبكة درامية، بل صراع نفسي داخلي يكتبه كاتب عاش الألم، أو على الأقل تأثر به بصدق. فهل يستطيع الذكاء الاصطناعي إدراك هذا التمزق الوجداني؟
وفي قصة أخرى، ربما تبدأ الحكاية كعلاقة رومانسية بين شخصين، تسير في اتجاه الحلم، ثم تنهار فجأة عند مفترق خيانة، أو فراق اضطراري. القارئ يتأثر لأن الكاتب نفسه انكسر، أو حَلُم، أو ودّع. الكلمات هنا ليست ناتج تحليل إحصائي، بل نبض حي.
الذكاء الاصطناعي لا يملك “تجربة”، ولا ذاكرة شخصية، ولا خوفًا من الغد، ولا أملًا يشتعل في لحظة ضعف. هو لا يتعرّق، لا يرتبك، لا يشتاق. لهذا، ورغم كل قدراته التقنية، يظل عاجزًا عن أن يُبدع قصة تُبكينا أو تُضحكنا بصدق. ربما يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي كمحرّك مساعد، ولكن الكاتب الحقيقي يظل هو من يشعر، يتألم، ويحكي. القصة القصيرة ليست بناءً من كلمات منسقة، بل لحظة إنسانية مُقطّرة، لا تُصنع، بل تُعاش.
في النهاية، الذكاء الاصطناعي قد يُحسن الشكل، لكنه لا يخلق الجوهر. والإبداع، كما نعرفه، لا يولد من حسابات، بل من قلب ينبض.