خاثينتو بينافينتي
ترجمة عبد اللطيف شهيد
بعد مراسيم قداس الديك (من الطقوس الرومانية) من منبر الخطيب والتي تم إحياؤها أكثر من كوميديا من المسرح القديم في يوم اثنين كلاسيكي، توجه مدعُوّو المركيزة إلى مائدة العشاء
كانت الحفلة خصوصية جدا، استدعت لها أقرب الناس من العائلة وبعض الأصدقاء التي تم اختيارهم بعناية لم يتجاوز مجموع المدعوين خمسة عشر نفرا
– عشية عيد الميلاد هي حفلة عائلية. السنة كلها يعيش الفرد مِنّا على الآمال ،منفتح القلب لأول من سيصل؛ اليوم أريد أن أسترجع الذكريات: أعرف أنكم جميعًا معي الليلة لأنكم تحبونني حقًا، وأنا سعيدة جدًا بجانبكم
أومأ الضيوف بلطف للمجاملة
– أعتقد ذلك! أين يمكن قضاء أفضل ليلة؟
– نعم، نعم، قليلون وطيبون
– يجب التآزر، عزيزتي الأميرة
– مكان جميل
وبعد إبداء الرضا العريض، استعدوا للاحتفال بفرح الليل الذي يقول فيه الشاعر “الغبط يُعطى/ لأكثر الأيام وضوحا”
ولكن على الرغم من هذا الاستعداد، الحقيقة هي أن الجميع بدا عليهم الحزن والقلق، كما لو كانوا حاضرين فقط بالروح عوض الجسد والروح
الشروع بالمحادثة كان كما هي العادة للسيد مانولو بورينس؛ لكن أخفق في ذلك، وبدون أن يراجع ما فعل، ألقى بقصة فضائحية التي لم يتجاوب معها أحد، فتنازل عن مسعاه وأمر الخدم لإحضار وللمرة الثانية الوجبة اللذيذة لسمك الترس في مرقها
كانت المحادثة باهتة وتتهاوى مع كل خطوة، عبارات مصاغة بشكل سيئ عن الأماكن الشائعة وعبارات جاهزة، دون عفوية وبدون ظرافة. الابتسامات لم تكن صريحة أو رنانة. كانت تبدو كأنها ممزقة و مؤلمة وتنتهي بعبارة آه! كأنها تنهيدة استغاثة. لم يكن هناك شك. ضباب من الحزن يخيم على الأجواء. كان الأمر كالتزام بالظهور مبتهجًا ولم ينعكس على أحد ابتهاج حقيقي
مسكينة أيتها الأميرة! فهي والعهدة على كُتاب المجلات، كانت الساعات في منزلها تمر وكأنها دقائق. لكن زوارها تلك الليلة لا يبدو عليهم الانشراح. بلطفها، كانت واثقة بأنها سوف تقضي ليلة سارة رفقة المدعوين. وهم حضروا حتى لا يُخيّبوا أملها… لكن تفكيرهم كان في أشياء أخرى بعيدة تماما. كل واحد كان يأمل في قضاء هذه الليلة المقدسة حسب الهوى أو الحب أو المتعة، العفة أو الرذيلة، أي شيء آخر لكن أن يكون مُسلِّيا و أكثر جاذبية، أقوى من المجاملة الاجتماعية، وهذا ما فكر به الجميع : ماركيز سان سيفيرينو، مالك المنزل، الزوج الهادئ لماركيزة رهيفة الحس ، قال
– أي نكتة هذه مع زوجتي! تصيبني بالملل هذه الحفلات العائلية
يجب أن أكون هنا طوال الليل، جالسًا بين خالتي، الكونتيسة الموقرة لـ Encinar del Valle ، وجوزيفينا مونتيرو، ابنة عمي، و ابنة عم زوجتي في نفس الوقت والتي تحافظ على رشاقتها بينما خالتي لا تتحدث سوى عن الأكل والشرب! وابنة العم تقول أن واجهة محل Lhardy رائعة هذه الأيام؛ والأخرى تقول أن Paul Bourget شخص متصنِّع، لذا هي تُفضِّل Paul Hervieu
أكاد أُجن! في هذه الساعة هناك عشاء بمنزل السيدة شيبيلينا. فهناك حقا يستمتع الفرد! لو أن هؤلاء الناس يسرعون في الذهاب مبكّرا
هكذا كان يتحدث صاحب المنزل ماركيز سان سيفيرينو، وبدورها ابنة العم الروحية فكرت قائلة:
– يا لها من فكرة سيئة من ابنة العم، ليلة مُملة! وابن عمي رجل فظ، لا يمكن التحدث معه في أي موضوع. في هذه الساعة كان بإمكاني أن أكون بمعية السيد فريديريكو بمنزل آل فيفارس. هناك أكون في حالة ماتعة..! لكن العائلة!.. آه لو كانت تعلم السيدة بيلار إنني سأذهب إلى دار آل فيفارس عوض الحضور إلى منزلها
ماركيزة Encinar del Valle، السيدة الثخينة والمحبة للأكل ترى كما يرى قس بلدة ” Bella Helena ” أنه على مائدة ابناء عمومتها يوجد كثير من الأزهار، ومن ناحية أخرى، قائمة طعام العشاء لم تكن بالشكل المرغوب فيه. المِرآة عبارة عن تحفة فنية في غاية الجمال في إطارها المزيّن ببساتين الفاكهة والبنفسج والأرجواني والأبيض، ورائع هو الجندول الخزفي المصنوع ب Sevres كما هو مبهر منظر هؤلاء الرعاة من Watteau الذين ينظرون إلى بعضهم البعض في المرآة كما هو الحال في بحيرة جميلة في البلاد الزرقاء، لكن شرائح الدجاج كانت مُقرفة
الأفضل، لو قضيت ليلة الميلاد هذه عند عائلة بريان، فهناك الطعام دوما يكون جيّدا
كونتيسة روبليدال ، شخصية أنيقة ، من جنس بشري حالم، غريبة في كل مكان مثل خيال الفنان، تفكر في المستحيل؛ في موعد غامض مع كائن مثالي، في شِعر بدون كلمات وفي موسيقى دون أصوات، مثل الحبيب التي تحلم به، دون عناق، دون قبلات، عبير نقي للزهور التي يتعذر الوصول إليها
يا لها من كونتيسة حزينة! كم من عثرات كانت لازمة حتى تمشي وعينها إلى السماء
في تلك الليلة نفسها، عندما كانت تختلِق نموذجا مثاليًا، كطفلة تُشكل دمية بقطعة قماش خشنة وتضع حنان الأم عليها. الخرقة التي شكلت بها دميتها الأخيرة ستنام في ذلك الوقت أو ربما كانت يتناول العشاء مع رفاقها، في غرفة الضباط في ثكنات هوسارز، ولكن في هوسارز في بافيا ، بالزي العسكري السماوي … هكذا كانت الكونتيسة غارقة في أحلامها دون أن تبالي بمن يحيط بها
بجانبها، مانولو بورينس، ذو الوجه المقتحن والتعبير الغامض البليد ، يفكر مثل ماركيز تشيبيلينا، في الليلة الحمراء في ذلك المنزل ومدى سعادته هناك. يا لهن من نساء! المرأة الفرنسية وعدته برقصة المربعات؛ كان قد صرف ستة آلاف فرنك من أجل المناسبة. كل ذلك يذهب هباء من أجل عيون المركيزة! كان ينظر إلى الماركيز بطرف عينيه، كأنه يقول له: لو تنتهي هذه الحفلة باكرا، يمكننا الهروب إلى هناك؛ الماركيز فهم قصده وأخد ينظر إلى ساعته اليدوية بعصبية
باكو نوجويرا، أديب صالونات ومحبوب النبلاء ، الذين يدفعون تكاليف طبع دواوين أشعاره، فكر بحزن تجاه أخواته، فتاتين فقيرتين عاشتا الحرمان في المنزل، بينما هو يستمتع بالحفلات والأمسيات الأرستقراطية. حياتان بئيستان ضحتا من أجل أن يلمع هو؛ يكويان قمصان أخيهما النظيفة بألف جهد؛ كانتا ترتديان التنانير البنيّة ولا تخرجان إلى الشارع بشكل أنيق من أجل أن يرتدي هو بدلة أنيقة ويلف نفسه في معطف من الفرو، والشاعر، الضوء الساطع المدعوم من مخزون شاحب لكائنتين تبذلان كل التضحية، فكر بهما بندم، فكر في العشاء البائس لشقيقاته المسكينتين
فكرت لولا مونتيرو أن إيسيدورو توريس سيتناول العشاء في منزل كونتيسة فوندلفال، التي تريد أن تزوج ابنتها بأي ثمن … وأنها يجب أن تكون هناك أو إيسيدورو في منزل سان سيفيرينو، أعصابها المتوترة لم تدعها تهدأ ولم تعرف كيف تمر اللقمة … وهكذا كان الجميع، مع التفكير البعيد في التواجد روحا وجسدا في الأماكن التي أرادوا أن يكونون حاضرين فيها
كانت ربة البيت، راضية عن رؤية أهل حبها مجتمعين حولها. لم يكن ينقص سوى فردين: أختها، ماركيزة ديل روبليدال، السيدة الجليلة، التي كرّست حياتها للتعبد ، قديسة، قديس حقيقية، وآخر … لم ترغب في تذكره، صهرها كونديسيتو دي سانتا إيلينا … الذي من الأفضل عدم الحديث عنه… فهو يقضي عشية عيد الميلاد محاطا برجال مصارعة الثيران غارقين في إحدى الحانات، صهرها ذاك كان خارج المجتمع… وخارج كل شيء
الماركيزة، بطيبوبتها، لم تكن تعتقد أن الشخصين المفقودين من طاولتها في تلك الليلة هما الشخصان الوحيدان السعيدان. واحدة بفضيلتها السامية ، والآخر الغارق في أبشع الرذائل ، كانا الوحيدان اللذان يحطمان الرتابة المبتذلة للحياة، والوحيدان اللذان يدعان حياتهما الخاصة أقوى من الحياة التي يريد أن يفرضها الآخرون، وذلك بالتضحية بوسائل الراحة الاجتماعية
النهاية
*خاسينتو بينابنتي Jacinto Benavente كاتب مسرحي وأديب وسيناريست ومخرج سينمائي إسباني، ولد في 12 أغسطس 1866 وتوفي في 14 يوليو 1954. حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1922
المصدر
غرفة 19
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران