د. حسن مدن لصحيفة الخليج
في المسرحية الغنائية الرائعة «جبال الصوّان» للأخوين رحباني، التي قدّمت في العام 1969، وتألقت فيها الفنانة الكبيرة فيروز، التي أدت دور «غربة» التي جاءت للثأر لدم والدها «مبلج» الذي غدر به الطاغية المتسلط «فاتك»، وأدى دوره في المسرحية، وببراعة، الفنان أنطوان كرباج، تقوم غربة بشحذ همم الناس وشدّ عزيمتهم لمواجهة ما أشاعه فاتك من إرهاب وخوف، مشيرة إلى أنه مهما زاد عدد ضحاياه، فإن الباقين سوف يواصلون المسيرة ويحققون النصر، مذكرة بدروس التاريخ، وهي تغني من كلمات الرحابنة: «غمر الطوفان الأرض/ رجعّوها اللي بقيوا/ هدمت الحروب المدن/ عمّروها اللي بقيوا/ استعبد الظّلام الناس/ حرروهم اللي بقيوا»
هذا هو درس التاريخ، ولكنه، ويا للمفارقة، درس الجغرافيا أيضاً، فما أكثر أشكال الطوفان و«التسونامي» والهزّات الأرضية والبراكين وحرائق الغابات التي اجتاحت مناطق مختلفة من الكوكب ودمرّت قرى ومدناً وغابات طالتها!! وما أكثر الحروب التي لم تودِ بحياة الآلاف وحتى الملايين فقط، وإنما دمرت، أيضاً، مدناً عامرة وحضارات مزدهرة، ولكن مسيرة الحياة ودورتها لم تتوقف، فسرعان ما عادت الروح مجدداً للكثير مما دمر
يحدث ذلك عبر تعاقب الأجيال، في الحياة وفي الطبيعة، الجيل التالي يعيد ما خسره جيل سابق له، أشجار وغابات جديدة تنشأ مكان تلك التي اختفت، مدن جديدة تُعمّر مكان المدن التي دمرت، وحتى في الطبيعة فإن لكل الكائنات، بما فيها الأشجار، أعماراً محددة، مهما طالت لا تتجاوز الألف عام، وقليل منها عاش حتى ألفين إلى ثلاثة آلاف عام، كما تشير دراسات مختصة
لكن خبراً يتحدث اليوم عن شجرة عملاقة من سرو الباتاغونيا، تقع في غابة جنوب تشيلي يبلغ علوّها 28 متراً، وقطرها أربعة أمتار، وليس هذا هو المهم، وإنما عمرها الذي يقدّر بنحو 5 آلاف سنة، ما يجعلها أقدم من «عميدة الأشجار» الحالية، وهي شجرة صنوبر عمرها 4850 عاماً، يقال إنها محفوظة بمكان سري في الولايات المتحدة، ما يجعل من الشجرة التشيلية العجوز «الجد الأكبر» للأشجار، كما صار يطلق عليها، لتنال لقب أقدم شجرة على الكوكب
وتقول المعلومات إن حارس غابات اكتشفها عام 1972، ولم يكن يريد أن يعْرف الناس والسائحون مكانها؛ لأنه كان يعلم أنها ذات قيمة كبيرة
توصف هذه الشجرة ب«المقاوِمة»؛ لأنها صمدت في وجه كافة أوجه التغيير المناخي، وصمدت أمام ما شهده الكوكب من كوارث طبيعية، وهو ما لم تقوَ أي شجرة أخرى عليه، حتى بات التعويل على دراستها كبيراً لإثراء معارف العلماء في طبيعة التغير المناخي
لن نردد ما قاله محمود درويش: “هزمتك يا موت الفنون جميعها”، لكن سنقول إن الموت قوي، لكن ارادة الحياة لا تقلّ قوة