اِمرأة خمسينية تلوحُ للفراغِ
تنفضُ يديها من غُبارِ الصيفِ
وتَدخل غُرفتها
وأيلولُ ينفثُ زفيرهُ الفضي
في خاصرةِ الشَّجر
يُلونُ زُرقةَ الفَضاءِ ببياضهِ الثري ..
والرَّيح..
تُحرك سَّتائر نافِذتها المُشرعةَ نحو التُخوم
تُبددُ أسَّرابَ سَفرٍ
غادرهُ الصّيف
ومَواسِّم الأثّمار
رَحلتْ قافلةُ ضُيوفها ..
وأرتعشت وريقات قَامتها
في الشَّارعِ الطويلِ
صَخبُ ضَحِكاتُ الطُفولةُ
والمَدارسُ أرتدت دفاتِرها
شَمسٌ خَجولةٌ تُعلن البداياتِ
تتعرى أشَّجارُ المَدينةِ
والأغصانُ تُرتل أناشِّيدها المَنْسِّية
في ذ.ُهول ..
تَبتهل للغيمِ أن يُبلل أغصانها القديمة ..
تحمِلها ريحٌ خريفيةٌ مُبكرة
بخَطواتٍ مُضطربةٍ
وللأغنياتِ إيقاعٌ حزينُ الخطوات
وهي تَعبرُ الحُقول
والفلاحاتُ ذاهلات
ومسَّاءات أيلول الكسولةُ تَغفو مع جدائِلهن
تَنامُ في وجوهِهُنَ المُتعبة الأحلام ..
وعبيرُ الأرضِ
مثل خيطٍ مِنْ مَطر عَاشقٍ
يَنثرُ الماء
في حُقولٍ مُرتَعشةِ الجهاتِ
أيلولُ السَّاعةُ القُصوى
للعُمر
للخَيبات
و الخَريف خَيبتها
أو مِحنةُ الفُصول
أيلولُ طاولةُ حوار
بين جَحيمِ اللهيبِ
و سَّطوة الصَّقيع
تضيعُ منها المفردات
أو رُبما تتحولُ إلى لحنِ أغنيةٍ راقصةٍ
في مُفاوضاتٍ حيث لا شيء سوى الخَسارات
وقبضةُ يدها الفارغة
أواه يا أيلول يا وجعُ
اِمرأة ..
سَّرقتَ منها أجملُ المَواعيد
نَشرتْ ثِيابها على حَبلٍ مِنْ ريح
سَرق الهواء مُنذ صُبحٍ لونُ شَّعرها
وسَّرق بريقُ عَينيها
أيلول أيها الذي هشَّم ذَاكرتِها
وأفترشَ أرصفة الغيابِ بصفرة الأوراق ..
أصنعُ للفجرِ صَدى
من خَشْخَشْة اليَباسُ و الرحيلُ ..
أصنعُ لها أسَّاوراً من غوايتكَ
أيلول
أيها المَاجن
كيف تُعري الشَّجر ؟
وتسقِطُ من شجرة التُوتِ
ورقتها الأخيرة ..؟
تُهادن الروزنامةُ
تسّرقُ نسغَ العُشب
وحِبرهِ
رِيحكَ تُسّرد أنفاسَ الحَياة
و تمحي الصَّفحات
فتبقى القَصائد
وأغنيات الشَّجر
ونواحُ خريف اِمرأة
كأنَ الغَّد يَبكي البَارحة ..
أيلول … يا وجعنا ..
يا الذي تًوقظُ في أرواحنا الأُغنيات ..
والعِشق
والخَيبات ..
عبير دريعي ~عامودا
1/9/2024/أيلول