د. حسن مدن ل صحيفة الخليج
شاهدت مقابلة في برنامج ثقافي بثته فضائية «فرانس 24» مع الكاتبة الفرنسية من أصل لبناني ياسمين خلاط، محوره رواية جديدة صدرت لها عنوانها «سيدة الإسكندرية»، نأمل أن نقرأ لها ترجمة إلى العربية ذات يوم، وهي رواية تفتح «صناديق الذاكرة المقفلة». وياسمين خلاط (1959) التي ولدت في الإسماعيلية في مصر من عائلة لبنانية، هي كاتبة وممثلة ومترجمة ومنتجة عاشت متنقّلة بين لبنان وباريس، أخرجت أفلاماً وثائقية عدة، وترجمت العديد من الكتب، ومن رواياتها «اليأس خطيئة» التي نالت عنها عام 2001 «جائزة القارات الخمس» الفرانكوفونية، وتعدّ الكاتبة جزءاً من المشهد الروائي اللبناني الفرانكوفوني
يستوقفنا في سيرة ياسمين خلاط، على الرغم من كونها لبنانية الأصل، أنها ولدت في مصر، وتحديداً في مدينة الإسماعيلية، وهي واحدة من المدن المصرية الأكثر قرباً من الحداثة في النصف الأول من القرن العشرين، يوم كانت هذه المدن تحوي خليطاً كوزموبوليتياً أضفى عليها الكثير من الحيوية، وكانت العديد من العائلات الشامية، بما فيها اللبنانية، خاصة ذات التحدّر المسيحي، اختارت مصر مستقراً لها. ومطالعة في التاريخ الثقافي لمصر تُظهر شخصيات شامية كانت لها بصمتها الواضحة في النهضة الأدبية والثقافية والفنية في مصر الحديثة
قصة من الأدب التشيكي
في مطالع خمسينات القرن العشرين، وحتى الستينات من العقد نفسه؛ أي بعد انتهاء الحقبة الملكية في مصر، غادرها كثر من أبناء الجاليات المقيمة فيها، أوروبيين كانوا، كاليونانيين والإيطاليين خاصة، وكذلك العرب، ومن بينهم عائلة ياسمين خلاط التي عادت إلى لبنان، قبل أن تهاجر إلى فرنسا. وكانت ياسمين عند مغادرة عائلتها للإسماعيلية في الثالثة من عمرها فقط؛ أي أنها خرجت من هناك دون ذاكرة راسخة يعوّل عليها بسبب صغر سنها، ولكن ليست هذه الرواية الوحيدة التي كتبتها عن مصر تلك الحقبة مستوحية مناخاتها وتفاصيلها وروحها، حيث صدرت لها قبل ذلك رواية «مصر 51»
من هنا جاء سؤال المذيعة ليانا صالح التي حاورت خلاّط في الحوار المشار إليه، عما إذا كان الحنين إلى الأمكنة يُورّث، فحتى لو لم تحتفظ ذاكرة الكاتب الفرد بصور لمكان ولد فيه ثم غادره مبكراً، فإنه قد يرث الحنين إليه من عائلته، من والديه أو أقربائه الأكبر سناً منه الذين عاشوا في ذلك المكان ويحنّون إليه، ويصح هذا على كل الناس، لا على الأدباء وحدهم
أذكر جملة قالها محمود درويش تحمل المعنى نفسه، حين خاطب الشاعر الكبير «أبوسلمى» في حفل تكريمي له أقيم في بيروت في نهاية السبعينات، كنت محظوظاً بحضوره، حيث قال وهو يتحدث عن الحنين المتوارث بين أجيال الفلسطينيين لبلادهم: «ثمة جيل ورث الحنين لفلسطين رغم أنه لم ير منها سوى أصابع يديك»