على بعدِ وقتينِ
لا وقتَ للوقتِ
لا شيءَ إلّا الزمانُ الذي لا يموتْ
على نبضِ ذاكرةٍ لا تجفُّ
يبرعمُ حلمٌ ..
وحلمٌ يموتْ
تموتُ البيوتُ
ونخرجُ منها
وفينا تعيشُ البيوتْ
ترى أيُّ فرقٍ
وما، ما تحوك لها العنكبوت؟
…
بعد غياب أربعين سنة يأتيني صوت آلاء مليئا بالذكريات، ذكريات الطفولة والشعر وعامودا التي فقدت بريقها بعد أن كانت ملء العين والقلب.آلاء التي تغرّبت سنين طوالًا في هولندا، وجابت مساحات واسعة من الأرض، تستقرّ أخيرًا في عامودا، وقد كتبت، وترجمت، وأبدعت، وعلّمت.ها هي في عامودا تحاول أن تبثّ الروح في مواتها، وهذا -لعمري- قمة القوة والأمل لا نمتلكها نحن الذين صرنا أبناء السبيل هنا وهناك وهنالك.
عام 1977 وكنت في آخر سنة جامعية كتبت في آلاء نصًّا يقول:
آلاءُ، من منكم رآها كلُّ البراءةِ في رؤاها
هي دميةٌ أم نجمةٌ أم يا ترى، ماذا تراها
هي وردةٌ أم نكهةٌ حارَ السؤالُ بها، وتاها
تأتي إليكَ بشوشةً فترشُّ فوقَك من شذاها
وإذا سألتَ عن الحقيقةِ حرَّكتْ بالصدقِ فاها
ليتَ الحياةَ طفولةٌ وإلى الطفولةِ منتهاها
إنّي رأيتُ اللهَ يبدعُها فما أسمى الإلها
عندما قرأت الأبيات لأبيها الأديب الصديق دحام عبدالفتاح، ووصلت إلى:
ليتَ الحياةَ طفولةٌ وإلى الطفولةِ منتهاها
قال: انتظر.. نظرت إلى وجهه، كانت ثمّة دمعة متردّدة، تريد أن تخرج، ولا تخرج، وبقيتْ معلّقة ومترقرقة حتى هذه اللحظة.
….
اليوم أقول :
آلاءُ، مرَّ الوقتُ.. تاها ما زالَ في سمعي صداها
الذكرياتُ تأجَّجتْ وانداحَ في قلبي لظاها
غابتْ طويلًا، لم تغبْ قد جاوزَ الدنيا مداها
تلكَ الطفولةُ لم تزلْ في القلبِ زارعة سناها
تلكَ الطفولةُ حيّةٌ الآنَ تمنحُني قِراها
ما أصعبَ الريحَ التي هبَّتْ، وما أقسى رضاها
تجترُّنا الأيامُ.. كم أسرى إلى روحي وغاها
ما نحن إلّا موجةٌ غرقتْ، ولم تشهدْ ضحاها
اسقي القوافي غيمةً مجنونةً تروي ظَماها
لتعودَ مثلكِ طفلةً كلُّ البراءةِ في رؤاها
…
الحنين إلى الطفولة تبقي بذورها حية في الروح وإذا ماتت الطفولة مات الشعر والجمال والبراءة في الكون.
آلاء ما زالت تلك الطفلة التي امتلأت، وانصهرت بتجارب الحياة مرّها وحلوها ، لم تترك تلك الطفولة في مهبّ العدم، بل أحيتها من خلال ما كتبت، وترجمت .