أدبنا في اللغات الأخرى
ما أكثر ما يصادفنا عند سماع، أو قراءة، بعض السير الذاتية لأدباء عرب إشارة إلى أن أعمالهم ترجمت إلى لغات أجنبية، ثم يجري تعداد بعض هذه اللغات كالإنجليزية مثلاً أو الفرنسية أو الإيطالية أو الروسية.. إلخ، وأحياناً إلى لغات ليس لها نفس الصيت والانتشار، كبعض اللغات الأوروبية: السويدية مثلاً، أو الدنماركية وسواها، وهو أمر حسن بطبيعة الحال، فما أجمل أن يصل أدبنا إلى لغات الأقوام الأخرى، ليقرأ أبناؤها وبناتها ما كتبه أدباؤنا، شعراء كانوا أو قاصين أو روائيين.
ولكن هل تكفي مجرد ترجمة عمل، أو مجموعة أعمال أدبية، إلى لغة أو أكثر، واسعة الانتشار أو محدودته، لكي نطمئن إلى أن الكاتب، أو الكتّاب، الذين ترجمت أعمالهم أصبحوا معروفين عند المهتمين من الناطقين بتلك اللغات؟ ونحن نعلم أن عدد النسخ من أي ترجمة للغة من اللغات لن تتجاوز، في غالب الأحوال، الألف نسخة، وأن توزيعها قد لا يعهد إلى موزعين أكفاء أو واسعي الانتشار؟
وكما أصبح الناشرون العرب ينشرون أي عمل يقدّم لهم، بصرف النظر عن محتواه، ودون عرضه على لجان مختصة تقيّم مدى صلاحيته للنشر، كما تفعل دور النشر الأجنبية الرصينة، طالما كان الكاتب سيتحمل كامل كلفة الطباعة وأرباح الناشر، فكذلك صار الكثير من الكتّاب العرب، هم أنفسهم، من يلجأون إلى مترجمين أجانب، أو من يوصفون بالمترجمين، ليترجموا أعمالهم، وأيضاً بصرف النظر عن مستواها، إلى لغتهم، ونشرها كيفما اتفق، ليقال إن كتبهم أصبحت مترجمة إلى لغة أخرى.
الغائب في هذا كله هو خطط الترجمة المتبناة من الجهات المعنية بالثقافة والأدب، سواء كانت وزارات أو هيئات رسمية للثقافة، أو اتحادات الكتّاب والأدباء، فتنتخب النصوص الجيدة، وتتكفل لا بترجمتها فقط وإنما وضع خطط لتوزيعها ونشرها في البلدان الناطقة باللغات التي تترجم إليها.
قبل عقود تنبه أديبنا الكبير يحيى حقي إلى هذا الأمر، أو إلى ما هو على صلة به، فبعد أن لاحظ، بسرور، أن أعمالاً أدبية من انتاجنا الحديث سبق وأن ترجمت إلى لغات أوروبية، قال، يومها: «ينبغي الاعتراف أنها لم تدخل في حركة التداول الفكري في أوروبا، دع عنك أمريكا، فليس المهم أن تصدر الترجمة، بل أن يكون العمل محل نقد وتقويم، أن تعترف الأوساط الأدبية بقيمته وتتقبله، أن يدخل الجعبة التي يحملها كل مثقف تحت إبطه، أن يُستشهد باسم المؤلف في بعض الدراسات الأدبية».
وبعد أن أبدى حقي «شعور الدهشة والسرور والخيلاء» لأن بعض أدبنا ترجم إلى لغات أخرى، قال:«أجدني أضيف إليه مسحة من شعور آخر هو التهيّب والوجل».