لن يوفر الذكاء الاصطناعي حقلاً من حقول الحياة والمعرفة إلا وولجه، أو فلنقل «حشر نفسه فيه»، معيداً تذكيرنا بالسؤال المحيّر: هل سيعطل الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري، ويغني عن الحاجة لعمل العقل عند الإنسان؟
قبل الشروع في كتابة هذا المقال قرأتُ مقالاً قصيراً للكاتبة إيمان أسعد بعنوان: «الذكاء الاصطناعي ونصائح الكتابة.. كلاهما بلا فائدة إبداعية». لنقف عند الوصف الأخير في العنوان: «الفائدة الإبداعية»، التي تنفيها الكاتبة عن الذكاء الاصطناعي، كما تنفيها، أيضاً، عن نصائح الكتابة التي لن تخلق من أي فرد كاتباً إن لم يُخلق بموهبة الكتابة، ولن نقلل من أهمية ورش تعليم الكتابة، فلعل فيها بعض الفائدة، لكن ليس لكلّ من هبّ ودب، وإنما من حباه الله بموهبة بحاجة إلى تطوير، يأتي بالتجربة، وبالتعلم أيضاً.
انطلقت الكاتبة من دراسة عنوانها: «الذكاء الاصطناعي التوليدي يعزِّز الإبداع الفردي لكن يقلل من تمايز الإبداع جمعيّاً في المحتوى الأصيل»، وهي واحدة من الدراسات التي تعنى بالبحث «في أثر الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي، أشهرها على الإطلاق (تشات جي بي تي)، في تحفيز العملية الإبداعية البشريَّة».
سنذهب مباشرة إلى النتيجة النهائية التي خلص إليها الباحثون، وفحواها أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تساعد الكاتب الضعيف، «بينما لا تؤثر في الكاتب المبدع ».
وعلى المستوى الجمعي فإن الدراسة تخلص إلى أن «الاستعانة بالذكاء الاصطناعي التوليدي تضعِف الأدب الإنساني إبداعياً وتولِّد أعمالاً متشابهة». أي أن جوهر خلاصات الدراسة، الجدير بالوقوف عنده، هو ما قالته الكاتبة من أن كلّ ما يفعله الذكاء الاصطناعي التوليدي هو جمع «الأفكار والأساليب من مئات آلاف النصوص من كل الآداب الإنسانية على مرّ العصور، ثم (ينمطها) على مقياس صناعي واحد في توليد الأفكار وأسلوب السرد».
لنخرج من الأدب ولنذهب إلى خبر آخر يتحدث عن مقطع مصور، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً، لروبوت وهو يعزف على آلة وترية، ويقول ناقلو الخبر إن هذا يعدّ تطوراً قد يغير من تاريخ الموسيقى.
وهذا الروبوت، يظهر وهو يعزف آلة التشيلو مع أعضاء أوركسترا مالمو السيمفونية في السويد، لكن اللافت في الأمر أن هذا الروبوت لا يعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي من أجل العزف على تلك الآلة، وإنما تمّت برمجته باستخدام النوتة الموسيقية لأحد الملحنين كُتبت خصيصاً للروبوت. فهل أزف موعد تقصي فيه الروبوتات العازفين؟
المصدر: صحيفة الخليج