نور قاسم سعد – لبنان
في أزقة الوهم يكبر صمتٌ عميق، معبرًا عن حزنٍ دفين، يملأ أرجاء الكون. حيث لم يعدْ للكلام زاويةَ نور ليخترقها منقذًا نفسه، مبتعِدًا عن كلّ ترّهات الخيال.
قُتِل الضوء في وضح النهار، وساد الظلام بعدها، ومرّ الوقت مسرِعًا، كلصِّ ألماسٍ محترف وجد بين كومة الفحم لمعةً، فأرادها لنفسه.لم يكن يومًا مُشرقًا، فالمدينة الجميلة انتابها ذهول ضخم، أسكت ضجيجها فجأةً، سامحًا للدّخان أن يعكّر صفو أيّامها.فراحت تنفض الغبار عن ثيابها لتعود إلى عرسها من جديد… بعد أن عانت ألم المخاض الموجع، بولادةِ أمل ثمين رغم سيل الدّماء والعويل..
أطفأت سلام نور الغرفة، دخلت سريرها، وغطّت في سباتٍ مريح..
فكانت الليلة الأولى التي أحسّت بها بالراحة وتنفسّت بعدها الصّعداء.
ومع الفجر، قامت إلى صلاتها، ناجت ربّها، وانطلقت على الحياة ثانيةً…
لم يعدْ يوقفها شيء، لا المواقف ولا الظروف ولا الأشخاص، ولا حتّى آلام جسدها المرهق بعد تلك المعركة الطويلة..جهزّت أوراقها، حملت حقيبتها، وانطلقت..
“اليوم لن أسقط، لن أسمح أن يسقطني أحد، ولا ان أتعثر في كومةِ بشر، ولن أغرق في متاهة الثقة بعد الآن، إنّ ثقتي بالله تكفيني”..
ركبت الحافلة، متوجّهة إلى الجامعة، لتبدأ رحلة الحياة من جديد..رغم كلّ الألم الذي كانت تخفيه، إلا أنّها أصرّت على الاستمرار..
“عزيزتي سلام، صباح الخير تبدين مشرقة وعيناك تلمعان.
اه يا سمر، حقًا أنا أبدو كذلك، فقد رميت كل التعب في سلّة الذاكرة البعيدة، لا اعتقد أنني سأعيدها من جديد.
لكن يا سلام ألن تخبريني ما حصل..
لا… لانّ ثقل الايّام أتعبني..”
عادت إلى منزلها، تناولت العشاء، وجلست تحضّر بحثها المطلوب أن تنجزه للجامعة، كلّمت صديقتها وأخذهما الحديث حول بعض الروايات التي كانت قد قرأتاها في الفترة الأخيرة..
أتعرفين يا سمر، لقد أسرني حبّ جودي أبوت للرجل الغامض في رواية صاحب الظلّ الطويل، قالت له ذات مرّة: ” أنا وحيدة وأنت الشخص الوحيد الذي أعرفه ليعتني بي.. لكنّك وهمي جدًّ …” ربّما يا صديقتي كلّ ما نعيشه وهم..
لا غاليتي سلام لا تقولي هذا..
دوى الصّوت المرعب فجأة أرجاء المدينة الحالمة!!
ألوو سلام، أما زلت هنا، تسمعينني؟؟ أرجوكِ!!!
في خبر عاجل على وسائل التواصل قرأت سمر الآتي: غارة حربيّة معادية عنيفة استهدفت منزل في مدينة النور، والمعلومات الأوليّة تشير إلى وقوع إصابات…
خنقته العبرة وركضت لمنزل صديقتها، فكانت الفاجعة..
أصوات سيّارات الإسعاف ورجال الإطفاء يملؤون المكان، صراخ، عويل..
انطفأت الأحلام، ورحلت سلام..
وبقيت سمر تردّد قائلة: إنّ عاشقة الورد لم تكن تريد سوى الورد.. سلامٌ على سلام، وعلى كلّ الأحلام..