حارب الظاهري
أقبلت مدينة «ماليبو» إحدى مدن مقاطعة لوس أنجلوس بكاليفورنيا، تبصرها العين على الضفاف، إذ توهج في خيالها الجمال، تجر الحلم في زهوها، أينما ترى منها ناحية، تجدها نحتت في الحجر بيوتها، وناحية لها على ضفاف المحيط، حبيبات رمل مدثرة بالحكايات، تخبر الزائر المتلهف، إنها أشبه بمن تلملم أمواجها الهادرة، وفي صوتها يدفق أنين الهجر، موجات تقدم من بعيد، لتخلد في جوف حجر الضفاف، تصهر وجعها، ورذاذ يداعب ذاكرة من ارتاد صفحاتها.
يطوي السحر طشاشها، تحيل أثر أقدام المارة إلى النسيان، مروا من هنا، وتطهرت قلوبهم قبيل الغروب، وقد رأوا أنها دكنت غيومها، من دون أن تمطر، وعين الشمس بالشفق تودع جبالها، أوصت وصاياها، بأنها لن تغيب، غياب الراحلين عنها، توجز رحلتها في الشوق، وغداً تشع حلمها، تبهر الغياب بغفوة المبيت وتشرق.
نيوبورت، مدينة تمرر ابتساماتها في فلك الكون، تشع في الحياة، تلولج في سماء السحر زخارفها ابتهاجاً، فضاؤها جميل يلحّن صوت الريح، على أعتاب الطرقات، إذ لا يمل وقتك، من اشتباهات ثوانيها خاطفة، من دون أن يرعى المسافر انتباه، لا يفلت من دقائق الوقت، ما أجمل ما تحدثك به الروح، بما يوحي بالصمت والتأمل، بما يفطن به القلب، بأن شقاوة لك ما.. مرت من هنا، توحي أن ترجئ بث حكاياتها، وهناك عين تراها في مناظرها، خلابة على ضفاف المحيط، ترى طفلة في منتهى الممر، تسعد بصيد سمكة طرية، تهز خيط الصيد فرحاً لها.
أي مدن هذه، كأنها قافية في مخيلة الشعر، وحروف الزهر، ترسم حدائق الورد، وفي صمتها الجمال يحضر، تحتضنها الطبيعة شوقاً، تستوحيها كأنها من الفضاء، في إطلالة للسفن. ترى ما توحي به في الصحو من بدئها الأنيق.
في سكونها المخملي، تخشى من فض عقدها النفيس، أن تتناثر حبات الشوق والبهجة، تخجل أن تودعها بما لا يليق، تظل تزهو في الذاكرة وتنعم من هوى الروح، تفتنك مناظرها الخلابة، بين طواف طرقاتها بين الجبال، والدهاليز على المحيط والأنهار والمصبات المائية، ومسحة من الظلال الوارفة، تعجب عين الرائي، وعدسة المصور الفنان، ليلتقط الصور بعناية، ولوحة معلقة بين الممرات، متعددة الواحات، والواجهات المطلة، الذاهلة بعجائبها، تختلج أنفاسها الحياة بمعنى منفرد، وتحضر في ذاكرة الترحال، ولوحات أحفظها، بما مررت في أقصى طرقاتها، تفاجئك القرى البعيدة، تحيرك وهي تجر نسيجها، في خفق القلب، تعجب بأن مثلها قليل ما يغير معالمه الزمن، وقليل ما يفقدك الحنين إليها، لتلتذ بما تحمله من أيقونات لها، ولوحات فنية لذكرى السنوات.
عن الاتحاد للاخبار