ليلى تباّني
يقال أنّ أصدق الحزن هو ابتسامة في عين دامعة وكأنّك تتحدى الألم بابتسامة يائسة… تستحضر مظاهر السعادة رغم غيابها ….الحياة مزيج من الخير والشر ومن النعيم والبؤس ومن الجمال والقبح ومن السعادة والشقاء فلولا الضد ما كان ضدّه ، ولا مجال للتناقض والحياة صراع أضداد لا متناقضات تشترك في الجوهر وتختلف في المظهر…. فلولا الفقر ماكان الغنى ولولا البؤس ماكان النعيم ولولا الانخفاض ماكان الارتفاع ولولا الضيق ماكانت السعة ولولا الحزن لما عرفنا السعادة فالضحك والدموع وجهان لذات العملة فإذا،ما فاجأتك ، الهموم والمآسي فلا تنصدم ،عند لحظه حدوثها، بل تمالك نفسك ولاتسقط إلا واقفا وثق أنّ الفرح والحزن توأمان كما السعادة والالم كما الموت والحياة…… فالفرح يأتينا مستقيما… كسهم يدخل قلوبنا مباشرة فيخترقها ويخرج … وتنتهي الفرحة وتبقى الذكرى… أما الحزن فهو التوأم الوحيد الذي يبقى معنا… يتداخل في كل حالاتنا… ففي فرحنا حزن.. وفي حزننا حزن.. في غضبنا حزن… في عشقنا حزن… في حبنا حزن… في ولادتنا حزن…وفي كل حالاتنا حزن… الحزن معجون في أبداننا ومع التراب… مجبر ليس مخيّر فهو الذي يبقينا متيقنين أننا بشر .. وأننا ما نزال موجودين هاهنا في أرض ليست بالجنة…. إن من طبيعة البشر أن يفرح الإنسان للحظات ما يلبث أن يعود لوضعه الطبيعي وهو الصراع مع المشاعر الأخرى ، والتي هي أقرب للبشرية فيعيش حالة من فوضى المشاعر لا يعرف خلالها أحزين هو أم سعيد ؟…فالإنسان بطبيعته يمرّ بعشرات المشاعر يوميا… يرتفع وينخفض كطائرة ورقية… هادئا يكاد يكون ساكنا كالنسيم الخفيف.. سعيدا ومنطلقا للأعلى في الريح اللطيفة… حزينا.. منزعجا ومتقلبا في الرياح الشديدة… ولربما تأتي أعاصير شديدة تقطع حبل الوصال مع النفس البشرية فيتحول إلى أشد أنواع الغضب الذي يتمنى كل شخص أن لا يمر به… فالفرح جزء بسيط فقط من سلسلة الأحزان أما الحزن فهو الجزء الأكبر للإنسان… وما تبقى من أحاسيس فهي متنوعة التجليات متباينة الشدة
يقول المثل الصيني : ” إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الحزن من أن تحلق فوق رأسك ، و لكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في شعرك ”
فالإنسان ليس مخيّرا أيّ الدروب يمشي من أحاسيس ولكنه عرضة للكثير منها يوميا ولكن الصفة السائدة به هي”الحزن” ليس لأننا اعتدنا مصاحبتها في طرقنا اليومية ولكن لأنها الوجه الآخر لنا
أنا إنسان…هل أنا مخلوق حزين…؟ هل الأصل في حياتنا هو السعادة أم الحزن ؟ بلى لقد خلقنا وأودعنا الجنة سعداء وبدأت أحزاننا تتوالى تباعا وصارت غاية وجودنا ونهايتنا هو تحصيل الجنة و العمل للعودة إليها… حتى خلال سعادتي علي أن أبقي على شيء من الحزن و أستحضر فرامل بهجتي كي أكبح تجليها لأثبت لنفسي أنني في اختبار وعلي أن لا أدع تلك السعادة البسيطة تنسيني من أنا.. من أين خرجت… وإلى أين أتجه.. المرض .الموت .المشاكل …الإحباطات ….الفشل …..فقدان الأحبة …كلّها مسبّبات الحزن وكلنا نسعى لزواله والحري بنا أن نسأل ما السعادة ؟ وهل الانسان مجبر على المرور بالحزن كي يحصّل السعادة ؟
يقول المثل الصيني : ” إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الحزن من أن تحلق فوق رأسك ، و لكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في شعرك ” فالحزن حاصل لا محال بغير إرادتنا ، لكنّه لا يستمر بإرادتنا ، وثمّة قلة من يفهم أن جنون الربيع إنما هو وليد حزن الخريف ولا سبيل للتخلّص من الحزن إلاّ العمل سواء منه الدّنيوي أو زاد أخروي ، فالعمل بنشاط هو الذي ينقي النفس ويصقلها ويخلصها من أحزانها. فحين يغمرك الحزن تأمل قلبك من جديد، فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يوماً مصدر بهجتك.وتجد أنه من السّخافة أن تولي الأمور أكبر من نصابها وان تستسلم للنحيب على أمور أنت تعرف مسبقا أنها عابرة كما هي الحياة عابرة ، وتتأكد مع تقادم الأحزان وتواليها أنّ البكاء مبتذلا برفقتها .. حتى لكأنه إهانة لمن نبكيه أو ماذا نبكيه ….والأمر صار بين يديك أيها المدّعي الحزن ، لا تبحث عن سعادتك بعيدا وانت أقدر على زرعها تحت قدميك …. أيّها البائس كن سعيدا ولا تفنى وأنت تحاول تغيير الدنيا ، بل مت وأنت تحاول أن تغيّر نظرتك لها