الخضر شودار
انتهيت اليوم من ترجمة كتاب إدمون جالو ” الصداقة الأخيرة لراينر ماريا ريلكه”: صداقته ورسائله إلى نعمت علوي باي..بشعور يتعذر عليّ وصفه؛ ربما هو شعور خاص بريلكه نفسه؛ حياته وشعره..صداقتي المبكرة له في سِنّ السابعة عشرة؛ قراءاتي الأولى له وعنه، ثم هذه العودة الدائمة إليه والصحبة على مدى الحياة؛ أنا الذي أكبره عمرا الآن! هل خطر له أن طفلا من رؤوس الجبال في الجزائر سيجلس في الطابق التاسع قرب البحيرة ليكتب أو يترجم عنه كتابا (إلى العربية) تحت ألحان باخ، بشيكاغو .. !
” … أشعر بنوع من تأنيب الضمير، إذ على صورة فوتوغرافية أهدتني إياها في 9 فبراير (شباط) 1937، حين كانت نعمت متشرسكي Nimet Metchersky بصحة جيدة، كتبت لي هذه العبارة الغامضة:” كن حاضرا قرب سريري يوم أموت.”
وحين ماتت، كنت أجهل كليا حالتها الصحية السيئة. كانت تفصلني عنها حدود جعلها الاحتلال منيعة حتى على المراسلات، لم أكن أشك في أن خطرا ما يحدق بها. ولم تصلها رسائلي الأخيرة أبدا.
لعلي بهذا البورتريه الذي رسمته عنها وربطته بذكرى شاعر عظيم كان قد ساعدها بكل وضوح، أكون قد أسكت على نحو ما، مشاعر التأنيب تلك. فداخل وجداننا، لا ينبغي أن نقيم حسابا للظروف الخارجِيّة حتى لو كانت في حكم المستحيل. الصديق الذي خصّته الأميرة متشرسكي بذلك الرجاء لم يكن في ذهنها شخصا تتحكم فيه حدود الواقع. فقد كانت هي نفسها تحيا في المطلق. إن مشاعر التأنيب الكبرى ليست تلك التي كان سببها أخطاء متعمدة، وإنما تلك التي كان سببها الحسرة والندم، التي يوحيها إلينا الشعور بأننا لم نكن ذلك الذي استنجدنا به واعتمدنا عليه في كل حال، بل،- وبخاصة !- في حال المستحيل.”
( إدمون جالو، الصداقة الأخيرة لراينر ماريا ريلكه)