صدرت للكاتبة زينب إليانور رواية بعنوان ( لعنة الوجود ) وهي رواية تبدأ توصيفاتها من مقتربات الخاتمة لكن الكاتبة لم تكشف لنا صورة واضحة عن تلك المقتربات حفاظا منها على عنصر التشويق في سرد الاحداث وحالة من التعمق في إظهار درامية المشاهد السردية لاحقا .
تستدعي الكاتبة في هذه الرواية عالما متخيلا بعد ان اجادت في صنع جنبة افتراضية من خلال الاستعانة بعنصر الخيال الذي اشركته في صلب المادة العلمية ، مبتعدة عن المحددات الزمنية بعد ان هيمنت على العمل الروائي التقنيات العلمية في سرد الاحداث التي تستشرف من خلالها الكاتبة اعماق المستقبل لحياة متخيلة اكثر سعادة ورقي ، لذلك اصبحت هذه الرواية هي رواية خيال علمي تحدد عملية النفور والخلاص من واقع مليء بالتناقضات والبؤس وغياب العدالة ، فاصبح الخيال هنا هو الحلم الوردي والخلاص المنتظر .
تتحقق درامية المشاهد من خلال احداث متناقضة يعيشها بطل الرواية ( جاستن ) وهو طبيب فصل من وظيفته بسبب الغيابات المتكررة جراء دخوله في دوامات الخيال العلمي حيث الهروب نحو المجهول ، حتى بدا الحلم الذي اصبح ابعد من الخيال بعد ان ارتد لاحقا على الواقع المرير ودمر تلك الأحلام التي لم يخطط لها بشكل جيد وصحيح لأن الحياة البديلة التي خطط لها ( جاستن ) كانت غير متوقعة في عالم يسوره التوحش ويجعل من الإنسان حبيس قناعات اتسمت غالبا بالفوضوية .
ان التفكير بالخلاص اوقع العديد من الشخصيات في فخاخ سعادة اعتراها الزيف والخذلان ، لذلك اصبح من الصعب ادراك هذا العالم الفسيح الذي تعجز وتتوقف عند اذياله العقول الجبارة مهما اتسع تفكيرها وعلمها .
هناك هيمنة واضحة للتقنيات العلمية في الاحداث المشهدية بطرق شابها الجانب الإفتراضي بيد ان الخيال العلمي قاد بعض شخصيات الرواية ( العائلة ) الى الجنون والعبث بعد ان حاول بطل الرواية ان ينقذ العالم من خلال ابتكاراته العلمية لكن العالم انهار عليه ودمر اسرته وحياته ، وهنا تجدر الاشارة الى زوجة بطل الرواية ( اماندا ) التي احست بالخيبة والعزلة من زوجها الذي هجرها لمدة ثلاثة عشر عاما بعد ان بالغ كثيرا بافكاره ورؤاه ، لذلك انجرفت نحو الخيانة من خلال مصاحبتها لعشيقها ( براون ) بعد ان جمعهم سرير واحد على مقربة من زوجها وابنها وان الاخير ( البينو ) اصيب بعقدة نفسية كبيرة بعد ان سمع تنهدات والدته قرب باب غرفتها .
انه عالم الجنون بهوس الملذات وحب الأنا والذات … الجنون الذي تسبب في هدم اسوار الأسرة بعد ان بقي ( جاستن ) مهوسا في انقاذ العالم لكنه وقع في مصيدة الضياع في عالم من الصعب جدا اكتشافه والوصول الى حقائق علمية واضحة .
لذلك اصبح الإعتذار واجبا منطقيا من قبل الشخصية المحورية في هذه الرواية وان جاء متأخرا حيث ندم ( جاستن ) على ابتكاراته الطبية وايمانه بعلم الخلايا الخاصة بالإنسان حسب توصيف الكاتبة .
رصانة هذه الرواية جاءت من خلال اشراك عنصر الخيال في المادة العلمية بالإضافة الى ابتعاد الكاتبة عن المحددات الزمنية التي لاتصلح في مثل هكذا عمل روائي بالرغم من اهمية الزمان في السرد الروائي وهذه علامة مضيئة تحسب للكاتبة في هذا التوظيف المائز .
تتصف شخصيات زينب إليانور بجوانب سايكولوجية واضحة ، وهذا ما جعل الكاتبة ان تستعين بالإشتغال المنولوجي بعد ان كشف هذا الإشتغال وعبر بشكل عميق عن جوانب نفسية والم مكبوت ولوعة وقساوة متأتية من حيوات لم تنفض غبارها عن هؤلاء البشر الذين يعيشون وسط اسوار واقفاص بعيدة عن ترف الحياة والسعادة .
( الحلم من مستويات العقل البشري الذي لم يصمد ازاء عالم يفوق محدودية عقولنا
الناس ينظرون الى الاخر عندما يتلطخ بالاثام ( ماذا عن الاوقات التي كنا فيها ملائكة ) )
تؤكد الكاتبة ان الحياة زائلة ومشبعة بالآثام والأخطاء اشبه بالغريزة الحيوانية ويسودها حب الذات بعيدا عن الخير والعطاء والعمل الجاد والمثمر ، لذلك انتقدت الكاتبة في بعض جزئيات السرد العديد من الافعال الايجابية بعد ان وصفتها بالأنانية وحب الذات ( افعالنا لم تنبع إلا من نهر قذر اسمه حب الذات )
تتجه الكاتبة في سردياتها إلى جنبة مغايرة ومختلفة عما بدأت به ، فقد حاولت زينب إليانور الإرتداد والعزوف عن الواقع من خلال التركيز على ثيمات غرائبية في محاولة منها على إظهار الانسداد الحياتي الذي تعيشه شخصياتها وهذا يفسر جانب متوازن في الطرح العام لثيمة الرواية بين ماهو واقعي وخيالي بذات الوقت تمهيدا للوصول الحتمي الى اللانهاية والعجز التام .
( الجنس البشري يقتلنا بسهولة وغالبا مجازره قد تحصل بسبب فصيلة اخرى وهي الطيور لانها ستعمل على تناولنا ) .
تصل الكاتبة في نهاية الرواية الى المأساوية التامة بعد موت العديد من الشخصيات بسبب القتل والإنتحار ايضا بعد مغاليق عديدة واجهت شخصياتها ، لذا اصبحت المعالجة حاضرة بقوة من خلال رسالة جوانية لم تفصح عنها الكاتبة بشكل مباشر بل تركت القارئ هو من يحدد ملامحها وهي بعبارة بسيطة مفادها التأكيد على الجوانب الإنسانية والقيم النبيلة التي يجب ان يتصف بها الفرد بعيدا عن حب الأنا والذات والكراهية بغية العيش في هذا العالم بحرية وسلام وان الهروب من الواقع هو اليأس واللاجدوى التي تصل بالفرد الى حالة من حالات الضياع الحتمي .