قراءة نقدية في رواية “سلطان وبغايا”
للكاتبة اللبنانية هدى عيد
بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي
رواية “سلطان وبغايا” تقدّم نصًّا اجتماعيًا حادًّا يتناول قضايا الفساد، الاستغلال، والعنف المجتمعي، من خلال حبكة معقّدة وتقنيات سردية مبتكرة. تنجح الكاتبة في خلق عمل يثير التأمّل عبر استعراض تعدّدية الأصوات السردية والاعتماد على ذاكرة الشخصيات وتجاربها المختلفة.
الجوانب الإيجابية:
1. قوة الموضوعات المطروحة: تتناول الرواية قضايا اجتماعية شائكة مثل القهر، العنف ضد المرأة، السلطة الذكورية، وتفكك العلاقات الإنسانية، سطوة المال وانفلات الفساد الاقتصادي بمظاهر وقحة ( على عينك ياتاجر)، التهريب والاتجار بالمخدرات والسلاح وكل الممنوعات الهدّامة، وتغلغل الفاسدين في كل مستويات المجتمع حتى المستوى الثقافي والفني وصولًا إلى القضاء، والتأثير على القرار السياسي والدولي، ممّا يجعل الرواية نقدًا مباشرًا للبنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
2. عمق الشخصيات: تظهر شخصيات الرواية، وخاصة سلطان، كبؤرة للطغيان والفساد، في حين تمثّل النساء ضحايا القهر، مع تسليط الضوء على رحلاتهن النفسية.
3. استخدام الزمن غير الخطي: توظيف تقنية الاسترجاع (الفلاش باك) يثري السرد، ويبرز تأثير الماضي على حاضر الشخصيات، ممّا يجعل النص ديناميكيًا ومثيرًا للاهتمام.
4. الابتكار السردي: اعتماد الكاتبة على تعدّد الرواة يجعل كل شخصية تقدّم شهادتها بشكل مستقل، بما يسمى بالطريقة التمثيلية، ممّا يسمح برؤية تعدّدية للحقيقة، ويخلق نصًّا متعدّد الطبقات.
5. تقنية الراوي الصامت (زهية):
من أبرز ملامح الرواية هو غياب صوت الراوية المركزية زهية، حيث اختارت الكاتبة تقنية الراوي الصامت. زهية، على الرغم من كونها المحرك الأساسي للسرد، تظل صامتة طوال الأحداث، فلا نسمع أسئلتها أو تفاعلاتها المباشرة. يتم بناء السرد من خلال مقابلاتها مع الشخصيات الأخرى، حيث نكتشف مضمون الحوار فقط من خلال ردود الشخصيات.
دور زهية كوسيط:
غياب صوت زهية يجعلها وسيطًا بين القارئ والشخصيات، ممّا يُشرك القارئ في عملية إعادة بناء الحوار وتفسيره. تصبح زهية بمثابة مرايا تعكس تجارب الآخرين، دون أن تفرض رؤيتها الشخصية.
أثر هذه التقنية:

غياب صوت زهية يخلق غموضًا وتشويقًا، حيث يضطر القارئ لقراءة ما بين السطور لفهم أسئلتها وتفاعلها. هذه التقنية تمنح النص بعدًا تفاعليًا، حيث يُدعى القارئ للمشاركة في السرد.
التعددية السردية:
تعدّد الرواة يتيح استعراض زوايا مختلفة للحقيقة، في حين يظلّ صوت زهية محايدًا وغير متحيّز. هذا يجعل الرواية أقرب إلى تحقيق سردي، حيث يتمّ تقديم الشهادات بدون تدخل مباشر من الراوية.
الجوانب السلبية:
1. الاعتماد المفرط على الاسترجاع: قد يؤدي التركيز الكبير على الذكريات والسرد الخلفي إلى إبطاء الإيقاع العام للرواية.
2. وصف طويل ومفصل: بعض المقاطع تحتوي على أوصاف مطولة قد تثقل على القارئ دون تقديم إضافة جوهرية للحبكة، كما في الفصل العاشر.
3. نمطية بعض الشخصيات: تكرار نماذج المرأة الضحية قد يُضعف تفرّد كل شخصية، ويجعلها أقرب إلى الرمزية.
رسالة الرواية:
من خلال تسليط الضوء على شخصية سلطان كنموذج للطغيان والفساد، وعلى الشخصيات النسائية كضحايا للعنف الاجتماعي، تسعى الكاتبة هدى عيد إلى كشف عمق الظلم الاجتماعي الناتج عن السلطة الذكورية والأنظمة الفاسدة. الرواية تنتقد بقوة:
عنف المجتمع الذكوري ضد النساء، حيث يتم استغلالهن في علاقات مشوّهة ترسخ الهيمنة الذكورية.
التواطؤ المجتمعي، الذي يجعل الفساد والاستغلال أمورًا مقبولة بل ومستدامة.
الإفلات من العقاب: حيث يظهر سلطان كشخصية تجسّد غياب العدالة وعدم محاسبة القوي.
الرواية تعكس أيضًا البحث عن العدالة ليس فقط بمعناها الاجتماعي بل الشخصي. الشخصيات في الرواية تبحث عن خلاص ذاتي يعيد تعريف هويتها، بينما تعكس زهية كشخصية رئيسية سعي الإنسان لفهم جذور الشر في النفس والمجتمع.
بالختام:
(سلطان وبغايا) ليست مجرد رواية اجتماعية، بل عمل أدبي مبتكر يعكس تعدّدية الأصوات الإنسانية، ويستفزّ القارئ للمشاركة في عملية السرد. تقنية الراوي الصامت التي استخدمتها الكاتبة تُظهر براعتها في خلق نصٍّ يحترم ذكاء القارئ ويعزّز دوره كمستكشف للحقيقة. الرواية في النهاية هي دعوة للتأمل والنقد الذاتي والمجتمعي، ممّا يجعلها عملًا أدبيًا مميّزًا في أسلوبه ورسالته.

الإسكندرية – مصر 27/01/2025