شادية جباعي
دهليز طويل على جانبيه غرف عديدة تطوي قصصًا لا تحصى ولا تعدّ
كانت كلّما دخلت إحداها تخرج بمشاعر الفرح حينًا، وبأحاسيس الحزن أحيانًا
يرافق السّرور قلبها حين يتعافى مريض سهرت على راحته لياليَ طوالاً، أو مريضة أنقذتها من الموت في اللّحظات الأخيرة، وعلى يديها شُفيت واستعادت عافيتها
ويصادق الحزن فؤادها لمّا تخسر مرضاها أمام عينيها، الّذين اعتادت على لقياهم وسماع رواياتهم، وليس بيدها حيلة لفعل أيّ شيء لهم، فالأمر يخرج عن سيطرتها وزمام الأمور بيد الله الجبّار
الأيّام تهرب مسرعة، وروحها أُثقلت، بما كان يترامى إلى مسامعها كلّ ثانية من أنين آلامهم، ووجع أجسامهم، وتأوّه وجدانهم، وبكاء عيونهم الصّامت…. وبضجيج الموت وعويل قلوب عائلاتهم على من يفقدون من أحبّائهم
مشاهد تزيد نفسها توتّرًا، وصور تُفاقم كيانها قلقًا ونشيجًا
صحيح هي طبيبة مخلصة ومتفانية، ملتزمة بمهامها، تُعالج المرضى وتواسي أوجاعهم، وتُخفّف عنهم معاناتهم…. تصادقهم وتحنو عليهم بما أوتيت من عطف ومحبّة وعظيم قوّة وإرادة، إلّا أنّها وصلت يومًا إلى حدّ الاكتئاب ممّا يدور حولها، وما يجيش في خلدها من آثار ما تراه من مآسٍ، وما تسمعه من نحيب
في عمق ليل مظلم، وقفت أمام المرآة، نظرت إلى عينيها الباهتتين، تأمّلت وجهها الشّاحب، ثمَّ همست لنفسها: “كيف يمكنني الاستمرار؟ كيف سأحتمل هذا الكدر الموجع والمؤلم الذي يسكن فؤادي ويستنزف قوّتي؟”
فجأة أدركت أنّ كلّ حكاية يعيشها مريضها، مهما اختلفت نهايتها يأسًا أو سعادة، ما هي إلّا رسالة من الله: لكلّ منّا دوره في هذه الحياة الفانية، التي يجب أن نزهد بملذّاتها ونترفّع عن شهواتها، لنعود أنقياء الرّوح، طاهري الجسد عند ملاقاة خالقنا القدير
مسحت براحتيها على وجهها، حامدة ربّها على جميع عطاياه، فاطمأنّت وأكملت مسيرتها الطّبيّة بإيمان وثبات وكفاح، رغم هول أوجاع النّاس وموتهم، فالإنسانيّة قادرة على التّغلّب على الصّعاب وتحقيق المعجزات، حتّى في أحلك الظّروف، وأظلم اللّحظات، سيتسرّب ضوء الأمل إلى القلب، ويهزم كلّ ألم
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي