د. عاطف الدرابسة
قلتُ لها
اليومَ سيكونُ القمرُ أقربَ ما يمكنُ للأرضِ
وستكونينَ أنتِ أقربَ ما يمكنُ إلى القلبِ
كأنَّكِ القلبُ
اقتربِي منِّي أكثر
لأُصغيَ إلى عِطركِ
وأُنصتَ إلى إيقاعِ قلبكِ
كأنَّني في لحظةِ صلاة
اقتربي منِّي أكثر
فإنِّي أُحسُّ بكِ أكثر
حين يسجو اللَّيلُ ويهدأ
اقتربي منِّي أكثر
أُريدُ أن يلفحَني النَّسيمُ الهاربُ
من بينِ ضفائركِ
اقتربي منِّي أكثر
وضعي راحةَ يديكِ على وجنتيَّ
والجبينِ
فمنذُ زمنٍ بعيدٍ
لم تقتربْ من وجهيَ الزُّهور
اقتربي منِّي أكثر
لتتعاظمَ في خياليَ الأفكارُ
فتخرجَ الأسئلةُ كألسنةِ النَّارِ
لماذا أشعرُ بأنَّني عاجزٌ عن الكلامِ
في حضرةِ الضُّوءِ
وحضرةِ عينيكِ ؟
اقتربي منِّي أكثر
لأمتلأَ بكِ
ثمَّ أنسكِبَ كأحداقِ النَّبيذِ
في فمِ اللَّيلِ
اقتربي منِّي أكثر
لأُغلِقَ ذلك الجرحَ العميقَ
فقد ملَّ منِّي
وأنا أتقلَّبُ في سريرِ اللَّيلِ
كالجمرِ في جوفِ الموقدِ
أو كالغائبِ في جوفِ الحوت
اقتربي منِّي أكثر
وأضيئي لي عتمَ الطَّريقِ
آنَ الوقتُ
لأُوقِظَ قدميَّ من بقايا عجزِها
فقد اشتاقتْ لغبارِ الطَّريق
اقتربي منِّي أكثر
لأُحرِّرَ الصَّوتَ المحبوسَ في خاطري لأُغنِّي ؛
فكم اشتقتُ يا حبيبتي للغناء
اقتربي منِّي أكثر
لأسترجِعَ النَّومَ من جفونِ الأرقِ
وأسترجعَ الأمنَ من قلبٍ يبتزُّهُ القلق
اقتربي منِّي أكثر
لأستعيدَ حروفي من أنيابِ القبائلِ
والمذاهبِ
والدُّولِ الفاسدة
سأراكِ اللَّيلةَ في وجهِ القمرِ
غزالةً
أو حمامةً
تفردُ جناحَيها للضُّوءِ
وتتمدَّدُ فيه
كنهرٍ يقبضُ على الماءِ بين ضِفَّتيه
كلَّما مرَّ على الأرضِ اليباسِ
ثارَ على الضِّفتينِ
وغيَّرَ مجراه
اقتربي منِّي أكثر
لأطرُدَ الأغربةَ العواقرَ من قصائدي
وأفُكَّ ضفائرَ لغتي للرِّياحِ اللَّواقحِ
وأرميَ جمري في المياهِ الجواري
وأُحلِّقَ فوقَ المُستنقعاتِ
أحملُ مشاعلَ النُّجومِ
وأشهدُ ولادةَ القمرِ
حين يقتربُ من الأرضِ أكثر
وأشهدُ ضِفافَ أنهارِكِ
تحتشدُ بالأفكارِ
والأحلامِ العظيمة
اقتربي يا حبيبةُ أكثر
من ذاكَ القمرِ البرتقالي
واسأليه
من أين أتيتِ أنتِ ؟
ومن أين أتيتُ أنا ؟