السمراء روضة الحاج
الآنَ أُدرِكُ
أنَّ وجهَكَ مَشرِقُ الإصباحِ
والليلُ الخُرافيُّ الجَمَالْ
الآنَ أُدرِكُ
كيفَ يرتَحِلُ الندى
والطلُّ
ألمِسُ حاجةَ اليُتمِ المُلِحَّةِ
أنتمي للتائهينَ على الرصيفِ
الواقفينَ على محطاتِ الكَلَالْْ
الآنَ يا مستودعَ الألقِ الرهيبِ
ويا مداراتِ البنفسج
في الفصولِ القفرِ
والطُرقِ الطِوالْ
أحتاجُ أن تبدو المدينةُ مَسكَناً
ويعودُ للناسِ البريقُ العذبُ
يَبتهِجُ الصِغارُ
وتَرجِعُ الطُرقَاتُ
في لونِ الوِصَالْ!!
لكنَّ كيفَ؟
وأنت قد رحَلتْ خُطاكَ
فَصَدَّتِ الدِيَمُ الثقيلةُ
وانزوى الفَرحُ المُقيمُ
وهَاجَرتْ كلُّ الظِلالْ !!
الآنَ يا مَنْ أستريحُ بشمسِه
من حَرِّ أيامِي
ومن عَنَتِ المشاويرِ الثِقَالْ
تبدو الحقيقةُ لي
فيَحتَجِبُ السؤالْ
كيفَ احتملتُ لوافحَ الزمنِ الرديءِ
ولستُ أقوى السعيَ
من فَرْطِ الهُزالِ
وبأيِّ كفٍّ
قد صَدَدتُ الحُزنَ
حينَ ألحَّ
يَضرِبُ بالحِصارِ عليَّ
في المُدنِ الوَبَالْ
ولمَ اغتفرتُ
لهذه السنواتِ عُمْرَاً
أنفَقَته في الجوى عامين
والأشجانِ
والتبريحِ
والترحالِ أعواماً
وحتى الآنَ في بندِ الرِحالْ
كيفَ احتملتُ
تآمرَ الأقدارِ ضِدِّي
والعناءَ المُرَّ
والرَهَقَ المُمِيتَ
وليس لي قلبٌ يُطِيقُ الاحتمالْ؟
الآنَ أكتشفُ الحقيقةَ كُلَّهَا
أنتَ النسيمُ العذبُ
يأتيني
وقد دقَّ الخيامَ الصيفُ
حاصَرَني الجوى خنقاً
فأعجبُ من نسيمٍ
لا هوَ الريحُ الصَّبا صيفاً
ولا ريحُ الشمالْ
أنتَ الحقيقةُ كُلُّهَا
أكبو…
متاريسُ الطريقِ تَعُوقُنِي
تُدمي يديَّ وركبتيّْ
أحتالُ وحدي للوقوفِ
فما يُفِيدُ الاحتيالْ
كفٌّ تُقيلُ معاثري
هي هذه الكفُّ التي ودَّعتُهَا للتوِّ
ثم بكيتُ
من ضعفٍ أطالْ!!
وأعودُ أعواماً
لأكتشِفَ الحقيقةَ هَكَذا
أنتَ الأحاجي
والمراجيحُ التي كانت تُمنِّيني بها أمي
إذا عَاندتُ
أو ألحَحَتُ
أو أفرطتُ حيناً في الدلالْ
الآنَ أكتشفُ الحقيقةَ كُلَّهَا
أشقَى
لأنَّكَ يا ربيعَ العُمرِ
داءُ العمرِ
يا وَجَعَاً عُضالْ
مَوبُوءةٌ كلُّ الخلايا في دمي
بكَ يا جرئَ الخَطوِ
يا معزوفتي الأولى
ويا كلَّ المقاطعِ في وريقاتي
ويا كلَّ الخيالْ!
فبأيِّ مصلٍ تَستَريحُ جوانحي
ودماكَ تجري في دمي
ونَسيجُ أورِدَتِي
تمنَّعَ واستحالْ
وأراكَ أبعدَ مِنْ مَدارِ الشمسِ
أقربَ من رجوعِ الطرفِ
أطولَ من معاناتي
فأشقى مرةً أخرى
فيندهشُ السؤالْ
لكنَّما
بيني وبينَك أنَّنا
في الدربِ تأتَلِفُ الخُطى مِنَّا
على طُرقِ النِضَالْ
حسبي بأنِّي سيِّدي
جهراً أُنادِي باسمِكَ المنسوجِ
من بُرُدِ التوَهُّجِ والجَمَالْ
حسبي لقاؤكَ في عيونِ الناس
في بلدي
جنوباً أو شمالْ
سُمرِ الملامحِ
يُشبهُونَكَ
مِشيةً
أو قَامةً
أو سُمرةً
لكنَّهم ويحي أنا
لا يُشبهونَكَ في الخِصالْ
وهناك يَكمنُ عُمقُ مأساتي
يُعاودُني السؤالْ
يا ويحَهَا الخرطومُ
كيف أُطيقُها ؟؟
تبَّتْ يَدَا الخرطومِ
لو لم تحتَوِيكَ
مهابةً
نيلاً
وتاريخاً
وصرحاً من جلالْ
من ديوان في الساحل يعترف القلب