يعتقد بعض الآباء ان من واجبهم الأخلاقي اتجاه أبنائهم ان يحلوا مشاكلهم الصغيرة قبل الكبيرة ،وان يؤمّنوا لهم احتياجاتهم مهما بلغت كلفتها، وان يحموا أولادهم اتجاه كل انواع المخاطر ، البسيط منها قبل المخيف ، ولكنهم وللأسف الشديد يجهلون أنهم وبشكل غير مباشر ينشؤون جيلا اتكاليا، جيلا اعرجاً، لا يعرف عن مشاكل الحياة ومصاعبها غير ما قد يقرأ في كتاب او يشاهد على شاشة هاتفه المحمول أو في الأفلام ووسائل الاتصال الأخرى. لا بل هم ينشؤون جيلا معاق ، قليل الخبرة و شحيح الحنكة وعديم الحكمة والمعرفة.
ان من ابسط قوانين الرياضة و الفنون الحربية و اي فكر عملي هو ان تُخضع المتدربين إلى كل أنواع التجارب والعوائق والصعوبات ، وان تزيد من حجمها و من صعوبتها مع تطورهم و تقدمهم في مراحل التدريب ، حتى يشتد عودهم و يقوى جسدهم و تتفتح عقولهم ليصبحوا قادرين على المنافسة والفوز.لذلك أنا اقول ، إذا وقع ابنك فشجعه أن يقف بمفرده ولا تأخذ بيده ، فهكذا يصبح قادرا ان يقف من جديد كل مرة يسقط بها ارضاً ، لا بل لن يهاب السقوط بعد ذلك لانك بنيت عنده قناعة كاملة بانه قادر على الوقوف مجددا بنفسه ودون مساعدة احد وبدون ان يتكئ على ساعدك القوي.
لذلك كل مرة تحرم طفلك فرصة حل مشكلة ما تواجهه بان تمنحه الحل جاهزا تأكد تماما انك انت السبب في ما سيصيبه مستقبلا من فشل و ارتباك و احباط. لان عدم القدرة على حل المشاكل الصغيرة في بداية العمر سيؤدي حكما إلى الارتباك و التخبط في حل المشاكل الكبيرة لاحقا مما سيخلق عقدة في نفس الأبناء مفادها انهم غير صالحين لقيادة اي تغير او لحل اية معضلة تواجههم و ان الحل الوحيد لمشاكلهم هو أن يلجؤوا لمن هو اكثر خبرة في الحياة إلا وهم الأهل، وهذا سيولد احباطا شديدا عبر الزمن.
وهنا يحضرني ما كنت قد قرأت يوما حول كيفية حماية نساء احدى القبائل الأفريقية بنيها ضد لدغة الأفاعي السامة كثيرة الانتشار في أدغال الغابات الاستوائية الواسعة ، وذلك بان تقدم لهم جرعة صغيرة جدا من سم الأفاعي مع الحليب و بشكل مستمر لعدة سنوات . ومع مرور الوقت سيشكل جسم الإنسان أجساما مضادة لسم تلك الافعى ، فإذا ما لدغت الحية السامة أحدهم ، فلن ترديه قتيلا ، بل سيحميه جهازه المناعي لأنه تمرس عبر الزمن في انتاج الأجسام المضادة لهذا السم القاتل.
انا اعرف ان التحكم في عواطف الأمومة او الأبوة ليس بالأمر السهل وخاصة عندما يتعلق الأمر بالاولاد ، لكن علينا ان ندع العقل والحكمة هنا أن يكونا سيد الموقف وان نمنح الفرصة لاولادنا بأن يصارعوا الحياة على مرأً منا و تحت أجنحتنا، فنستطيع ان نتدخل إذا استدعى الأمر ، لكننا نمنحهم فرصة ان يجربوا بأنفسهم أولا في ايجاد الحلول والمخارج للمشكلات التي تواجههم وبالتالي يشتد عودهم وتكبر ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على تحمل الصعاب والمشقات.
لا تجعلوا خوفكم مفرطا عليهم فتنتقل عدوى الخوف لهم ، فتراهم خائفين طوال الوقت. ان الأطفال يتعلمون من الاهل بان يراقبوا ردة افعالهم ، فإذا كنتم أقوياء وشجعان كذلك صار أبناؤكم ، واذا كنتم حذرين و مترددين سيكتسب الأبناء نفس تلك السمات.
ما نزرعه اليوم سنحصده غدا بكل تاكيد
.