دائما مانجد اسم ” ليلى ” يتكرر فى المديح الصوفى وبسطع دائما فى أشعار المجاذيب من الصوفية والمتحققين من وصلهم الإلهى ، وكان لليلى تبجيلها وتطويبها كرمز أنثوى صوفى، مدهش، فمنهم من قال هى معراج العشق الى الذات الإلهية، تُفتَح بها الأسرار، وتُفَجَر لذاتها الأنوار، ومنهم من قال هى مفتاح السر بين الشيخ والمريد، وبها يفهم المريد إشارات ورموز شيخه، وبليلى تنحل العُقد، وتنفك الطلاسم بين المريد وشيخه ، ومنهم من قال أن ليلى هى ” خمر الحضرة ” فعندما تُصَب ليلى فى الكاسات يهيم المريدون فى حضرتهم ويتيهون شغفاً ووجداً فى الذات العَليّا، ومنهم من قال هى عروس الحضرة الفاتنة المدللة التى يطلب وصالها الجميع ، ويتبارون فى طلب وصالها، والتبارى ليس تباريا بالجسد والمهر والشبكة الذهبية والهدايا الفانية ، ولكن مهر ليلى هى الروح ، وشبكتها قلب العاشق المجنون بعشقها ، وهى لاتهب نفسها إلا للمتحقق الذى وصل بأشواقه الى مرحلة ” الجذب “، فالمجذوب هو من فاز ب ليلى . ويهيم فى عشق ليلى سيدى أبو الحسن الششترى الشاعر الأندلسي الذى هام بعشق ليلى بعد ان سلبت عقله قائلاً :-
سَلَبتْ لَيْلى مِّنيَّ العَقْلا
قلتُ يا ليلى ارحمي القتلَى
حُبُها مكنونْ ،في الحشا مخزونْ
أيها المفتونْ ، هِمْ بها ذلا
طُفتُ بالأعتابْ…ولزمتُ البابْ
قلتُ للبوابْ… هل ترى وصلا ؟!
قال لي يا صاحْ ..مهَرْها الأرواحْ
كم محبٍ راحْ… يعشقُ القتلَى !!
وبعضهم من قال أن ليلى ليست لها تعريف معين ، لكنها قدس الأقداس فى محراب العشق الألهى، ويقول فى هذا الشيخ محمد زكي ابراهيم:-
كُنِيَت بليلى عن ذات أقدسها… كي ما أبيح لنفسي بعض ما مُنع
كنيتها لأوفيها قداستها…. وأشبع النفس من بث الغرام معا
إذا ذكرت جلال اللفظ روّعني… فكيف بجلال الذات مجتمعا
_____
ومنهم من خمّن أن ليلى هى مكة المكرمة ، ومنهم من تكهن ان ليلى هى الكعبة الشريفة ، ومنهم من قال أنها شهادة ألا اله إلا الله ، ومنهم من قال أنها الصلاة على النبى ، واحتار الهائمون فى عشقها .
ولاننسى أن اسم ” ليلى ” المعجمي يعنى ” الخمر ” والخمر معروف بأنه يرتبط بالليل ، والسهر والسهاد، و وبالليل تشتد نار الحب ويزداد لهيبه ، ويحن المحب الى حبيبه ، ويظل على فراشه يتخيله بجواره يحتويه بذراعيه ليطفئ جمر أشواقه ، فهو الحبيب الذى شرب من خمر ليلى، فهام على وجهه وهو فى حالة من السكْر والنشوة التى جعلت عقله غائبا عن المحسوسات ، وغالبا ما يرتبط الخمر بأسباب شربه وهو محاولات فاشلة لنسيان المحبوب ، لكن ليلى عند المتصوفة لايعتريها الصد ، ولا من صفاتها الهجر والفراق ، ولا يصاحبها الملل ، ولا يرافقها الغياب ، لكن هى الوصال والقرب فحسب .وبذلك تصبح ليلى : الجميلة التي تسحر الناظر حباً، حتى يهيم بعشقها ليلاً دون أن يقربه النوم من شدة الوجد. وحتى الشعراء العرب، وجدوا في اسم “ليلى” إلهاما للتغني بالمعشوق وهى بالطبع ليست ” ليلى ” قيس بن الملوّح الذى جُنّ من أجلها وهام فى الصحراء، يبحث عن قبرها، حتى دلّه الجن على قبر ليلى ، فجلس قيس على قبر ليلى وأخذ يتمرغ فى ترابه ويتقلب ذات اليمين وذات الشمال وهو يبكى بحرقة الأشواق، ويشهق بآهات اللوعة والهيام حتى فاضت روحه على قبرها ، وأخذ الله وديعته على قبر ليلى ، هذا ماحدث بين معشوقين من بنى الإنسان فى قصة عشق بين عاشق ومعشوقته ، فما بالك فى عشق المُريد لليلى الغير محسوسة ، ليلى الروحية الرمزية ، العارفة بأسرار العشق ، ومن المضحك ان كثيراً من المريدين من الجماعة الشعبية لايفهمون اسم ليلى ويعتقدون أنها امرأة جميلة فاتنة يصقها المدّاح أو المنشد فى الحضرة، وأنه قد رآها ذات يوم وجاء ليصفها لهم، ولا أنسى حينما كنت طفلاً فى العاشرة ومابعدها، كنت أذهب مع أبى رحمه الله الى حضرات الذكر، كان يأخذنى معه لأشرب معه من خمر ليلى ، وذات حضرة وقف المنشد ” محمود الشريف ” من قرية الكريتية بقوص وقال فى مواله:-
” ليلى تقول للمُريد قوم حل سروالى ” ، وهو بالطبع كان يقصد بسروالى ” سر ولي ” ، لكن الحاج ” محمود الحبّاك ” رحمه الله، اعتقد ان كلمة سروالى هو السروال المعروف ، فزعق الحاج محمود بأعلى صوته، زعقة قلّبت حُصْر الذكر وقال :” برضه انا حاستنى لما احلُّه ؟!! .. دا أنا اقطعه بسنانى !! ” وانطلقت الحضرة كلها بالضحك .