رئيس التحرير: إخلاص فرنسيس 
الملتقى
د. حسن مدن لصحيفة الخليج
«وصايا» خمس سنأتي على ذكرها تالياً، تتصل بالكتابة وطقوسها، غاية من وضعها مساعدة من يكتبون على أن تكون كتابتهم جيدة ما أمكن، ولهذا يمكن أن يكون الوصف الأنسب لها ليس «الوصايا» وإنما الوصفات أو النصائح، ولكننا اخترنا أن نقول عنها وصايا، شعوراً منا بأنها ضرورية لكل كاتب، خاصة إذا كان في بداياته
ويمكن تخصيص مقال لكل واحدة منها، فلن يمكن لمقال واحد في هذه المساحة المحدودة أن يفيها حقها، لذا آثرنا أن نقف اليوم أمام واحدة، على أمل العودة للبقية في مناسبات قادمة، ولا بأس، بداية، من تعدادها على التوالي: التركيز، الشكل، العزلة، الصبر، الثقة، وواضعها هو الكاتب بيتر ليزشاك في مقال له بعنوان «ابتداع الخطوات الخمس»، وهو واحد من مجموعة مقالات لعدّة كتّاب، جمعها المترجم رعد عبد الجليل، وأصدرها في كتاب اختار له عنوان «تقنيات الكتابة»
في الوصية أو الوصفة الخامسة، أي الثقة، يذكر الكاتب أنه انخرط مرة في دورة تصوير، وكان أول ما قاله المشرف على هذه الدورة للملتحقين بها: «أفضل صديق لك هو صندوق القمامة»، وربما يكون هذا المشرف قد عنى، ضمن ما عناه، أنه إذا وجد الكاتب نفسه غير مقتنع بمسودة أنجزها، فعليه ألا يتردد في تجاهلها، ليس بالضرورة برميها في سلة القمامة، وإنما بصرف النظر عن نشرها
وبنى على هذا قولاً آخر، هو بحد ذاته وصية أو نصيحة: «عليك أن تُذكّر نفسك دائماً أنك إذا أنجزت النص فربما ينشر أو لا ينشر، ولكنك إن لم تنجزه فلن ينشر أبداً»، والمعنى واضح هنا، فليس كل ما ينجزه الكاتب هو بالضرورة جدير بالنشر، لكن لبلوغ حكم كهذا عليه أولاً أن ينجزه، ليقرر بعدها مصيره: النشر أو سلة القمامة. ويستعير بيتر ليزشاك قولاً أتى على لسان الشاعر جيمس لويل يقول: «إن سكين الحشائش لا تجد صعوبة إلا أمام شجرة البلوط»، فإذا بلغ النص المنجز قوة ومتانة كتلك التي عليها هذه الشجرة، يمكنه الاطمئنان إلى أنه صالح للنشر
نُذكّر مرة أخرى أن هذا كله يأتي في خانة النصيحة بالثقة، لكنها الثقة الوازنة والموزونة، التي تتطلب صرامة مع الذات أولاً، فالثقة لا تعني تلقائياً الرضا، وإنما قد تكون نقيض الرضا، أو على الأقل شرطاً سابقاً له، فلكي يبلغ أحد درجة الرضا عن عمله، أياً كان نوع هذا النوع من العمل، وليس في الكتابة أو الإبداع عامة فقط، عليه، قبل ذلك، أن يغربل ما أنجزه
