
الكاتب مروان ناصح
الزمن الجميل ليس ذكرى عابرة، بل هو نسيم يمر على الروح. ضحكات صغيرة. رعشات أولى. دمعة تتحول إلى صرخة فرح. كل لحظة كانت عالمًا مكتملًا، والحرية تبدأ بدراجة صغيرة، دولابين يدوران، وأقدام ترتعش على الأرض الباردة.
-البداية المرتبكة… والدراجة الكبيرة:
الدراجة الأولى دائمًا أكبر من المقاس. مقود مرتفع. مكابح صعبة. عجلات تتهدج. نجرّبها قرب الحائط. نميل، نرتطم بشجرة.نهبط ونضحك. ننهض وكأن شيئًا لم يكن. الفضول أكبر من أي سقوط.
-المعلم الأول… مزيج من التشجيع والصراخ:
الأب، الأخ، الصديق… كلهم مدربونا. يمسكون بالمقعد من الخلف، يعدون بعدم تركنا. ثم فجأة… يتركوننا. السقوط محتوم، لكنه درس، وانتظار النشوة… حقيقي. ننهض، نحس بثقل التوازن يزول شيئًا فشيئًا.
-السقوط الأول… والخدوش التي لا تُنسى:
جرح في الركبة. كدمة في الكوع. دمعة خبأتها عن العيون. لكن هذه الجراح أوسمة فخرية: “سقطت هنا… عدت ونجحت.”. كل كدمة، درس. كل دمعة، انتصار صغير.
-أول انطلاق حر… لحظة النشوة: ها أنت تمشي وحدك. بلا دعم. الريح تصفر في آذانك: “الآن أنت حر!”. الأزقة تمر بسرعة. الحارات تلفّك في دوائر فرح. تشعر أنك بطل خارق…
على دراجة لا تطير، لكنها ترفع أجنحة الروح.
-الدراجة في زمن الطفولة… أكثر من لعبة:
ليست لعبة فقط. نذهب بها إلى السوق، إلى أصدقاء بعيدين، إلى أماكن لا يراها الكبار. نحمل الخبز، الكتب، وربما رسالة سرية. أول مركبة نملكها بأنفسنا. أول شعور بالاستقلال، بالقدرة على إدارة شيء صغير بحكمة.
-الدراجات اليوم… والطفولة الرقمية:
أصبحت الشاشات تحلّ محل العجلات. “ألعاب القيادة” بالأصابع، لا بالأقدام. لكن الدراجة لا تزال رمزًا للبساطة، للهواء، للشمس. حتى اليوم، حين نرى طفلًا يركب، يبتسم القلب: هنا التاريخ ينبض، هنا الحرية الحقيقية.
-الدروس الخفية… أكثر من مجرد حركة:
قيادة الدراجة تجربة وجدانية. تعلمنا الصبر، الثقة، مواجهة المخاطر الصغيرة. كل سقوط بذرة نجاح. كل عثرة بداية جديدة. كل دوران عجلة، درس في الحياة.
-خاتمة:
الدراجة ليست آلة. هي رحلة، حرية، فرح وخوف وانتصار. الحرية تبدأ بخطوة صغيرة، وللنهوض بعد السقوط طعم لا يُنسى. كل طفل اليوم على دراجته… لن يسقط وحده، بل سيقف، يبتسم، ويكتشف الزمن الجميل أمامه، ينبض بالحياة، كما فعلنا نحن ذات قفزة في ذاكرة الطفولة.