بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي
محرومة من الحب وزراعة كل ورود الحب من لا تعرف غير عواطف الكترونية غير شمس غير طبيعية في رحلة داخل ثلاجة بيت كبير لا تدخله غير أشعة الليزر والأوهام السفلية
صم بكم كتاب لا يمنحنا جميعا صوت وعاطفة بل ذبذبات تعمل بفعل بطارية شحن يومية وهموم قدرية تكتب حكايات سفينة لا تعبر إلي الضفة الأخرى دون وقود سفينة كبرى
إذا للرواية العربية منهج وفلسفة قائمة على التجربة والقدرة الفائقة على الرصد بمفهوم سردي فيه رؤية عميقة لموضوع ما وهذا يمنح للمبدع الروائي فلسفة من نوع خاص لها ترجمة شعور داخل وعين تبصر وثقافة مختزلة بمرور العمر
واليوم الذي نعيشه غير الامس البعيد والقريب حتما وجليا في ظل العقل الالكتروني الذي اصبح بديلا للعقل البشري كما يروج البعض بيننا أو يسعون لبناء ثقافة الذكاء الاصطناعي الجديد بديلا للعقل ؟
لاريب تزداد يوما بعد يوم، التكهنات حول مدى قدرة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، على التداخل مع المجالات المختلفة في العالم، ويأتي الأدب، كمشروع إنساني تراكمي، من أبرز المجالات التي تثير المخاوف حول آفاق المستقبل، في ظل تواصل تقديم تقنيات الذكاء الاصطناعي المزيد من الأدوات في محاورة الإنسان، وتحفيز العقل الإلكتروني، فإلى أي مدى ممكن أن تؤثر هذه التقنية على الإبداع البشري الأدبي؟ وهل ستسهم في رفع القيمة المنوطة بالأدب في العالم الحديث؟
ازهار غير مثمرة
ونجد أنه في عام 2018 م اصيب الجمهور بالذهول، حينما أعلن عن كتابة رواية كاملة بالذكاء الاصطناعي فكان كتاب “مستر. بنامبريس 24-أور بوكستور”، من تأليف روبن سلون، صيحة مثيرة للاستغراب، حول قدرة الآلة على كتابة رواية، وفتحت جدلا واسعا في الصحف العالمية وبين الجمهور، وتخوفات حول مصير الإنسان البشري في المجال الإبداعي برمّته
ومن ثم هناك صراع حقيقي يظهر في هذه التجربة الفريدة مع الآلة، حول مصير الأدب والقدرة على المحافظة على أصالته وتلقائيته الإنسانية، التي تعتمد على المشاعر الإنسانية النقية، ومدى قدرة الآلة على تصنيع مشاعر تجاري الإحساس الإنساني باللحظة والحد
وكان من المثير وقتها، أن يلقى هذا الكتاب استحسانا كبيرا، فتناولته صحيفة “نيويورك تايمز”، ونشرت مقالا عن الرواية المكتوبة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وأفادت أن الكاتب كان معتكفا في عرينه خلال كتابة روايته، وكتب عبر برنامج ذكاء اصطناعي عبارة “اجتمعت ثيران البيسون الأميركية في أرجاء الوادي” ثم ضغط زرا، محفزا البرمجية التي دربها على أعمال كلاسيكية لكتاب مثل جون شتاينبك وجوان ديديون وغيرهما، فكانت هذه الصيغة الناتجة: “اجتمعت ثيران البيسون الأميركية في أرجاء الوادي على مقربة من السماء الجرداء”
وتوقف روبن مدهوشا أمام النتيجة: “إنه عمل مذهل حقا، هل كان بوسعي كتابة ‘السماء الجرداء’ وحدي؟ ربما نعم وربما لا”، بحسب قوله للصحيفة (المصدر )
عزلة كاتب ورواية وقلم
وعن كاتب من مصر يدعي أحمد لطفي والذكاء الاصطناعي والرواية العبثية بكل مشاعر موتي وتساؤلات دوما محفوفة بمتاعب نفس وعقل
وعبر انطلاق منصة “تشات جي بي تي”، صارت تقنيات العقل الإلكتروني، المبني على أفكار التجارب الإنسانية، متوافرة، وأصبح بإمكان أي شخص الدخول في حوار مع العقل الإلكتروني المهول، وإعطائه الأوامر، لإنجاز المهمات الخاصة، في أية لحظة
هناك صراع حقيقي يظهر في هذه التجربة الفريدة مع الآلة، حول مصير الأدب والقدرة على المحافظة على أصالته وتلقائيته الإنسانية، التي تعتمد على المشاعر الإنسانية النقية، ومدى قدرة الآلة على تصنيع مشاعر تجاري الإحساس الإنساني باللحظة والحدث، خلال الكتابة، وكذلك مدى تمكن الذكاء الاصطناعي من إنتاج العنصر الإبداعي خلال تكوين الجملة الأدبية، وتقديم القيمة الإنسانية التي يدور في فلكها الأدب، فهل هذا ممكن؟
ولماذا رواية عربية تخلق من رحم الذكاء الاصطناعي؟
قبل أيام قليلة، أعلنت “دار كتوبيا للنشر والتوزيع”، عن إصدار أول رواية عربية بتقنيات الذكاء الاصطناعي، فكانت رواية “خيانة في المغرب” نتاج حوار بين الكاتب المصري أحمد لطفي، و”تشات جي بي تي”. الرواية الموجّهة للقراء لليافعين، جاءت في 100 صفحة، وأثارت جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي، وصارت متاحة للقراءة، على المنصات الأدبية وفي الأسواق
والرواية تتحدث عن شخصية فارس، الذي يسعى في أجواء من الغموض للهرب من عصابة تطارده، لكنه يكتشف خلال رحلته، مفاجأة مدوية، تغير مسار حياته، ويسقط في فخ تجريبي ممتلئ بالإثارة، في محاولته للنجاة من الفخاخ المتعددة التي يواجهها
هذه التجربة تأتي من باب طرق المخفي، ومحاولة لمعرفة الطريقة التي يعمل من خلالها الذكاء الاصطناعي مع اللغة والمشاهد، ومقارنتها بالتجريب الإنساني البحت
اجنة بحيوانات منوية مشوهة
مما كتبه “تشات جي بي تي” خلال الرواية: “إذا كان هؤلاء الرجال يلاحقونك بهذه الطريقة، فإن ذلك يعني أن هناك شخصا قويا وخطيرا خلفهم. شخصا لديه نفوذ وثروة وسلطة في هذه المدينة. شخص، شخص لا تريد أن تواجهه أبدا”
وكما يري “كاتب” الرواية عبر “تشات جي بي تي” المصري أحمد لطفي، أن “هذه التجربة تأتي من باب طرق المخفي، ومحاولة لمعرفة الطريقة التي يعمل من خلالها الذكاء الاصطناعي مع اللغة والمشاهد، ومقارنتها بالتجريب الإنساني البحت”. ويقول لـ “المجلة” إنه كان يعتزم تقديم روايته هذه لطلاب علم الاجتماع، لاستغلالها في دراسة مقارنة بين مجموعتين، الأولى لا تعلم بأن العمل أنجز بتقنية الذكاء الاصطناعي، والأخرى تعلم ذلك تماما، وتتبع الاختلافات بين التجربة الإنسانية والتجربة الآلية”، لكن الناشر اقترح عليه النشر وتعميم الرواية للجمهور
ويضيف أحمد لطفي: “يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بكتابة رواية كاملة، أو مشاهد قصيرة من رواية، أو أن يضيف بعض التفاصيل للمشاهد، فاستخداماته لا تقف عند تيمة واحدة. كان الهدف من كتابة الرواية، التجريب والتعلم، وخوض تجربة جديدة وعرضها على الجمهور”
وحول مقدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج رواية كاملة، تتمتع بتقنيات سردية كبيرة، وتحافظ على أدوات التشويق والحبكة، والأدوات الروائية التي تجعل من العمل مدهشا ومجددا يرى لطفي بأن هذا ممكن، وسيزيد حظوظ إنتاج أعمال أكبر قيمة في المستقبل
ويستدرك: “لقد كنت أبحث عن تجربة نقية، يقوم الذكاء الاصطناعي بتقديمها، وكان بإمكاني التدخل لجعل العمل أكثر حيوية وأثرا، لكنني فضلت أن تكون التجربة متاحة كما قدمتها الطبيعة الآلية”
لغة سطحية وسرد غير متصل غير مفهوم برائحة شجر الصبار
ولأن اللغة هي أهم مميزات الكاتب في العمل الأدبي، ومع الوقت تصبح بصمة الكاتب وهويته في عمله، فهناك معضلة أخرى خلال التعامل مع الذكاء الاصطناعي في الكتابة، وهي معضلة الأسلوب. فما الطريقة التي يقدمها برنامج الذكاء الاصطناعي في عرض حدث ما، وهل من الممكن أن يكون أسلوبه، تجميع من أساليب مختلفة لكتاب عظماء في التاريخ، زُوّد بها خلال برمجته؟
ليقول أحمد لطفي: “إن الأسلوب الذي يقدمه “تشات جي بي تي”، يقوم على لغة غربية سطحية، وبلا أية تقنيات تجعل منها متميزة، وتشعر بأن طريقته بالعمل، تشبه إلى حد ما أسلوب اللغة المترجمة من الإنجليزية إلى العربية”
غلاف الرواية
يكمل الكتاب المصري: “إن أي عمل أدبي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، سيصدر فيما بعد، ويتمتع بلغة أدبية منمقة وعالية الجودة ومتماسكة، فلنعلم بأن الكاتب قام بتحريره، وبأن ذلك ليس بعمل نقي يعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي، فحتى الآن لا أسلوب قويا يقدمه العقل الاصطناعي”
رفض التجربة هو رفض الحيوانات المنوية الميتة
هنالك دائما طرق مختلفة لمدى تقبل الإنسان للصحيات الجديدة، لكن عندما يتعلق الأمر بالأدب، فإنه يكون أكثر خطورة وخصوصية، إذ أن تجربة الوجود الإنساني، وصلتنا عبر تجارب مختلفة كان من أبرزها الرواية، فعرف الإنسان تاريخ الأحداث والكثير من التجارب الإنسانية عن طريقها، ولقد كان الوصف الإنساني للتجربة، بمثابة ناقل للمشاعر أكثر مما هو ناقل للحدث، من أجل التأثر والتعلم، وكأن التجربة التي حدثت قبل قرون من الزمن، تحدث الآن، فهل يستطيع الذكاء الاصطناعي فعل هذا؟
يقول بعض دعاة الذكاء الاصطناعي ايضا : “إن أي عمل إبداعي، يتدخل به الذكاء الاصطناعي، سوف ترفضه البشرية، فالإنسان من الممكن أن يتقبل الذكاء الاصطناعي في الطب والعلوم والمجالات الأخرى”
إن أي عمل أدبي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، سيصدر فيما بعد، ويتمتع بلغة أدبية منمقة وعالية الجودة ومتماسكة، فلنعلم بأن الكاتب قام بتحريره، وبأن ذلك ليس بعمل نقي يعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي، فحتى الآن لا أسلوب قويا يقدمه العقل الاصطناعي
ونستكمل معا ( الرواية العربية ) : “الإنسان لن يتقبل أن يكون الذكاء الاصطناعي ساردا لقصة معاناته، بما تحمله من مشاعر كبيرة وصادقة ونقية، ولا أعتقد بأن الذكاء الاصطناعي يستطيع تحقيق ذلك حاليا”.
ويرى الكاتب نفسه احمد لطفي بأن الذكاء الاصطناعي “لن يستطيع تحقيق قفزات معاصرة في الرواية العربية في الأفق القريب، لأن المدخلات العربية ضمن هذه التقنية فقيرة، وجميعها لا يتعدى اللغة والمعلومات الصحافية، لكن في المستقبل قد يتحقق ذلك”
لكن تبقى القيمة الإنسانية التي يشتمل عليها الأدب، والجوهر الذي يدور من خلاله سرد الأحداث، هما الأهم، ويرى الكاتب لطفي أن “هناك الكثير من الأعمال الاستهلاكية التي يقدمها المشهد العربي، وهي نتجت من خلال العقل البشري”، ويؤكد أن “العمل القائم على الذكاء الاصطناعي لربما يكون استهلاكيا في هذه المرحلة، لكنه يقدم تجربة جديدة، يجب على القارئ أن يراها، لتكوين رأي حولها على الأقل”
ويختم لطفي بالقول: “إن الهجوم الذي تعرضت له رواية ‘جريمة في المغرب’، لم يكن هجوما على العمل بقدر ما هو رفض للتجربة، ولربما هناك العديد من الروايات التي طرحت في الدورة الأخيرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، قد اعتمدت على الذكاء الاصطناعي، لكن المؤلفين لم يعلنوا عن ذلك، لذا مرّت كتبهم دون مهاجمة”
وفي ضوء تلك المستجدات التي تبدو داخل دائرة ضوء روائي عربي وغير عربي نستخلص القول بأن الرواية الأدبية جنس راقي يعتمد علي مشاعر عفوية غير مجهزة ومعدة سلفا في منصة الكترونية أو غيرها من منصات الكتب ( الذكاء الاصطناعي ) فالعمل الادبي لا مذاق له دون بهارات بشر دون تجربة وجهد بلا حدود
فهل نفيق جميعا من خطر داهم يحمل معه كل الكتب القادمة مقلوبة وليس لها مصدر معروف غير مصدر واحد اسمه الروبورت وغيره من تكنولوجيا الموت القاتل داخل ثلاجة بيت
ليست الرواية العربية صم بكم بل هي طريق فيه الألف حكاية وحكاية وحكايات شارع ومدينة ومسجد وكنيسة ومعبد وقبور وسينما والأهم المرأة بطعم الخوخ والمانجو والكرافس
فهل ندرك قيمة الأدب العربي ونسعى جاهدين للخروج من شبح الأجنة المهجنة شبح الحيوانات المنوية التي لا تستطيع إنجاب روايتنا العربية التي سطرها لنا يوما عظمائها من المحيط إلي الخليج
الرواية حب وبناء وعاطفة تنمو كل يوم داخل بيت تحيطه زهور طبيعية ومثمرة بلا ريموت اصطناعي بلا حيوانات منوية مشوهة
غرفة 19
- إنسـان فيتـروفيـوس- للفنان الإيطالي ليــونــاردو دافـنـشـي، 1487
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم