
صورة من نتاج الذكاء الاصطناعي
سمر توفيق الخطيب
كاتبة وباحثة فلسطيية – لبنان
يقول ألبرت آينشتاين: “أخاف يومًا تقضي فيه التكنولوجيا على إنسانيتنا، العالم حينها سيكون محكومًا بجيل من الأغبياء “.
فها نحن اليوم، تراودنا أسئلة كثيرة حول تأثير الذّكاء الاصطناعي على النّص الإبداعي، فهل سيتألق هذا الذّكاء وينتج لنا نصوصًا أدبية تضاهي في جمالياتها ذلك الإبداع البشري الذّي نهلنا منه بدءًا من العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا؟ إذ نشهد تطورًا بارزًا، لا نظير له في مجال التّكنولوجيا، فكيف سيؤثر ذلك على أدب الحاضر والمستقبل، وهل سنستشرف إبداعات إلكترونية مغايرة؟
نجد أن التّكنولوجيا ستدفعنا إلى إعادة تعريف معنى الإبداع، فنجد أنه على الرّغم من ظاهرة النّصوص “غير بشرية” الّتي تنتج بواسطة الذّكاء الاصطناعي والخوارزميات، يبقى الأدب في جوهره عصيًا على الاستنساخ، لأنه يجسد تجربة وجودية معقدة، ويمثل في حقيقته مرآة للرّوح البشرية،. فالإبداع الحقيقي لا يُقاس فقط بجمال الصّياغة وبناء النّص، وإنما بالقدرة على التّعبير لملامسة أعماق المتلقي.
فقد اقتحم الذّكاء الاصطناعي مختلف المجالات الإنسانية، حتى أنه وصل إلى مجالات المعرفة الفكرية والأدبية والفنية؛ فأصبح الإنسان يستخدم المنصات المنتشرة على الشبكة العنكبوتية (Internet)، مثل برنامج “شات جي بي تي” (ChatGPT) لأنه يُعد أسهل وأسرع برنامج تفاعلي متاح؛ بحيث يمكنه الحصول على المعلومات الّتي ينشد خلال لحظات، فأصبح بذلك مرجعًا مهمًا لكل من يستخدم هذا النّوع من المباحث.
وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه أمام أسئلة جوهرية تراودنا، ما يجعلنا نترقب، رويدًا رويدًا، اختفاء صورة النّموذج الكلاسيكي للأديب، كما رسخته الّذاكرة الثّقافية الّتي اعتدناها في الوعي الجمعي، لتحل محلها أشكال سردية جديدة، تُعبر عن جيل جديد مختلف وأدوات مغايرة. فمهما بلغت قدرة الآلة ودقتها على المشاركة في توليد النّص الأدبي عبر الذّكاء الاصطناعي وغيره من الوسائل الّتي قد تدهشنا من حيث البناء أو اللّغة الواعية والأنيقة، فيبقى الأمر الحتمي، الّذي لا جدال فيه، أنه لا يمكن لأي آلة بلا روح، أن تضاهي أو تتفوق على تلك التّجربة الإنسانية الفريدة، والنّابعة من روح وذات الأديب، المشبع بالحلم، والألم، والذّاكرة والوعي.
فنجد أن دور الأديب قد يتغّير، وتتغير معه أساليب السّرد، فيتحول من مُبدع منفرد إلى موجه وموظف لأدوات التّكنولوجيا، بوصفه عقًلا تحكيميًا، وإشرافيًا وتوليفيًا؛ ويتحول إلى منسق بين ما تنتجه الخوارزميات وبين ما يُعبّر عن روحه ورؤاه. وهذا التّحول يعيد تشكيل أساليب تعبير جديدة، تبقي للأديب مكانته، وتحافظ على جوهر الأدب كمرآة لإنسانية لا يمكن اختزالها في أي معادلة رقمية.
لأن الإبداع ليس مجرد تركيب لغوي، كما أن النّصوص الأدبية لا تكتمل بذاتها، بل تتفاعل من خلال العلاقة الّتي تنشأ بين الأديب والمتلقي؛ وهذا ما لا يمكن اختزاله في أي خوارزمية. فالأديب يُودع في نصه أسئلته الوجودية ورؤاه، في حين يعمد المتلقي إلى التأويل في ضوء تجربته الخاصة وثقافته.
ومن هنا نستنتج أنه مهما علا شأن الذّكاء الاصطناعي، نظرًا لقدرته الفائقة على الولوج في حقول المعارف المختلفة، لاسيما الأدبية منها، فإن العقل البشري يبقى هو الأساس؛ فلا يمكن لهذه البرامج أن تحل محل أي إبداع بشري على الإطلاق. فالإنسان وحدة يتمتع بموهب كفيلة أن تنقله إلى ذلك الإبداع، لأن الله، سبحانه وتعالى، خصه بمواهب مختلفة تحتاج دائمًا إلى التّطوير عبر التّجربة والتّعلم. ولا ضير من استخدام برامج الذّكاء الاصطناعي كبرنامج “شات جي بي تي” لتعزيز وتحفيز العملية الإبداعية البشرية، بما يستمده منها من معلومات مفيدة، ولكن يبقى الأساس الاعتماد على الإنسان، لأنه الوحيد القادر على التّألق.
كل ما سبق ينفي نفيًا قاطعًا قدرة الذّكاء الاصطناعي على أن يحل محل الذّكاء البشري، فشتان بين هذا وذاك.
كما أن الأدب الأصيل لا يمكن أن يموت، فالإبداع لا يمكن إلا أن يكون من صنع الإنسان الذّي ابتكر وطور هذه البرامج الإلكترونية، فكيف لها أن تتفوق عليه؟ إنه لأمر محال “وغدًا لناظره قريب”.