(عزيز انكان سريبه هَفّ الريق يجفّ العين ترفّ العقل يساهيني ويخفّ )
وهكذا وبعد أن تُمَهِدَ للحكاية تأخذ بيد القاريء ليزور معها مواقع أبطالها ،وتستعيد معه ذاكرةً شعبية مليئة بجمالٍ هو ابن تلك الطبيعة العامرة بحكايات العشق و(صوب خليل)* ولا بأس من تاريخٍ تقدمه الراوية ، تاريخ منطقةٍ ترنحت كثيراً تحت ضربات أقدام المحاربين والمستعمرين من كل حدب وصوب ، وبينهم شابٌ انجليزي ( جون برايل )الذي كان إلى حدٍ ما الإستثناء في الحكاية. إذ جاء مغلوباً على أمره
فهو يحب الحبَ لا الحرب ويعشق الفن ،ويحب تجسيده لوحات تسعد من يراها-في حياته أو حتى بعد رحيله- فكان هذا البناء الدرامي الذي أشادته بحبكة استاذة تجيد النبش في التفاصيل فتمنحها حياة، بل حيوات عانت ونالها نصيب من التعب، تعب الحروب والقلوب أيضاً.
رزان نعيم المغربي أجادت -كبحارٍ ماهر- الخوض في بحر طبرق وما حوله ، قدمت لنا نساء يعانين مشقة العيش في تلك المرحلة من تاريخ بلادنا لكنهن يعشن بقلوب تنبض محبةً لتعيش .
(سَدَّينة) و(حبارة) وأيضاً صديقتهن اليهودية (خيرية ناحوم) في رمزية عالية تمنح ذلك المجتمع حسٌ إنساني يتعايش فيه الجميع تحت مظلة اسمها الوطن
تتجول الكاتبة باستمتاع -نستشعره نحن القراء- بين مواطن كثيرة مصر حيث عاش فيها الرسام الانجليزي لفترة وجيزة وبنغازي وطرابلس ثم تبحر بقارئها نحو مرفأ الحضارات وأصل الحكاية. حكاية الفنون وتاريخها وحكاية بعض أبطال الرواية أو لنقل الجيل الثالث منهم ، سلمى وحكايتها مع خالد ومع صاحب البحث الذي تركه لها في روما ربما لتواصل الحكاية التي بدأها .
وتظل( البراديا )بطلةُ العمل، ما تكاد تظهر حتى تختفي في خضم حوادث كثيرة تمس تاريخ بلادنا-أجادت الكاتبة تقديم شذرات منه- لتعود اللوحة أو الجدارية لتتأبط الرواية فتصبح هي البطلة ويدور حولها أبطال ومدن وعالم بأسره ممتد بين ضفتي البحر المتوسط وحتى تخوم بلاد الإنجليز.
وكشاعرة أعرف مواطن الجمال
وحالة الكلام حين يتحول إلى همسٍ يصل صداه لمن يتلقاه فيدركه ،ويعرف مواضع العشق، والهوى ،والصبابة ،والتدلّه والوله، واختر ما تشاء من توصيف لحالات القلب وهذا ما حدث معي وأنا اقرأ الفصل الآسر ( رحلة فلورنس) أو رحلة البطلة سلمى مع صديقها الإيطالي الوسيم جورجيو إلى مدينته فلورنس (فيرينسي) وما شعرتْ به في رفقته وأثناء عزف والدته على البيانو.
ولقد أبدعت الكاتبة في هذا الفصل فقدمت نصاً فائق الجودة عالي الحضور والتأثير بتموضع موسيقي ينافس صوت هذه الآلة الفخمةالذي أذهل البطلة فأبكاها .
تتشعب الرواية وتتنقل بين شخوص وأحداث وتاريخٍ حديث ومعاصر، وجغرافيا تأثرت بهذا التاريخ، أو تاريخٌ تأثر بهذه الجغرافيا سيئةُ الحظ ، فربطت بينه وبينهم بقدرة وحنكة كاتبة أجادت عملها، لتقدم لنا رواية ستصبح-بدون مبالغة-إحدى العلامات الفارقة في تاريخ الأدب في ليبيا .
محبوبة خليفة
*صوب خليل : نوع من الفنون التي تشتهر بها شرق ليبيا