بقلم الروائية ميرنا الشويري عن حصاد الحبر
لكلّ كتاب عالم خاصّ من الخيال، يتمتّع فيه صاحب القلم بحرّيته، فالشاعر مارون أبو شقرا في (رقصه ع باب الضو) يعيش طقوس الدرويش إذْ يتحد بحبيبته، ويعشقها بتصوّف، فيدور حولها، وفي دورانه يمارس كلّ طقوس المتصوفين، ويلمس القارىء في كثير من كتاباته ملامح عشق تشبه تلك التي عند جلال الدين الرومي، وعلى الرغم من هذا التشابه إلّا أّن لصوفية أبو شقرا ملامح لاتشبه إلّا نفسها
يتقاطع شعره مع الرومي في أنّه لا يخلط بين الحبّ والشهوة، فالأنثى عند الشاعر يسوع ومعبد، ولا تستحقّ إلّا التقدير، فيقول لها
“رشو القمر بخور…”، وفي هذا السياق يقول الرومي
“أتدري ما هو الحبّ؟ هو ليس إلّا العطف والسخاء، يحلّ النفور إذا خلطتَ بين الشهوة والحبّ على ما بينهما من بُعد لا متناهٍ”. كما أنّ الأنثى هي الجوهر في أشعاره كعشق الرومي الذي يرى الحبّ جوهر الوجود، فيقول
كنت ميتًا والآن أنا حيّ
كنت غارقًا في الدموع والآن أنا أضحك
(Rumi, 67) إنّ سلطة الحبّ سيطرت على روحي
كما أنّ طقوس أبو شقرا في العشق تشبه تلك التي عند الرومي
يكتب في( رقصه ع باب الضو) عن طقوس يمارسها في صلاته في معبد الحبّ، فيرقص حولها على وقع
الموسيقا، فيقول لها
” امسكي صوت البحر بيصير غنية”. زد على ذلك أنّ أبو شقرا في أشعاره لا يخجل كالرجل البطريكي من اعترافاته بالأوجاع من جراء عشقه، وهو في ذلك يشبه الرومي
” العشق هو تلك الشعلة التي عندما اشتعلت أحرقت كلّ شيء ما عدا المعشوق، وأنت بسبب شوكة واحدة تفرّ من العشق، فماذا تعرف أنت عن العشق ما خلا الاسم؟
(Rumi,54)
وعلى الرغم من تقاطع الشاعر مع الرومي إلّا أّن لتصوف شعره خصائص تميزه عن الرومي، فتصوّفه هو من نوع جديد، فالاتحاد موجود في التصوّف الإسلامي، أمّا في المسيحية فيتمّ اتحاد الله بالإنسان عبر يسوع كما يقول فراس السواح، ولكن الشاعر يتحد بحبيبته لأنّها تجسّد يسوع
قبلك أنا ما عرفت شو يعني صلا
ويصفها بأنّها جارة يسوع
يا هالحجر شو بقول نيالك
يا ريتني غبرة ع تمثالك
من ميل قلبي بيسكن يسوع
ومن ميل قلبي بيسكن قبالك 32
وحبيبته كيسوع تأتي لتخلّصه بالحبّ، ولكنّها لا تبقى ربما يلمح الشاعر هنا إلى أنّ المسيحيين لا يعيشون تعاليم المسيح كما يجب، فكذلك هو لم يعش الحبّ كما يجب، ولذلك تركته حبيبته
: يسوع يحكي وينتسى شو قال
ما ينكتب ما ينحفر عجبال
10هيك جيتي وهيك ما بقيتي
ويعيش تصوّفه من الحدود، فيكتب من الحدود بين الإسلام والمسيحية، فيكتب للإمام الحسين، ولتصوفه نكهة هجينة بين اللغة الفرنسية والعربية، وهذا يعطي أبعادًا لشعره من دون حدود
Lingerie… verne فيستخدم كلمات
والميزة الأخرى التي تميّز تصوّفه لمعشوقته هو تقديسه لروح المرأة وجسدها . يلاحظ القارىء أنّه لا إباحية بل تقديس لجسدها بعكس الشعراء الإباحيين ، فهو لا يلغي جسد المرأة بل يقّدسه، وفي هذا السياق تؤكّد جوليا كريستفا أنّ ربط المرأة بصورة العذراء هدفها تغييب جسد المرأة، والكثير من أشعاره تقديس لجسد المرأة
معبد والباب يرشح زيت
وفي (غزل) يقول على لسان حبيبته
بعدن ايدي طفل المغارة
وبعدن صبيعي عشر قديسين؟
ويقول في مكان آخر
والغيم ينقل شعر عن جسمك
لكلّ نوع من الفنون وظيفة تخدم الإنسانية وربما من أهمّ ما يقدّمه لنا الشعر هو نحت المشاعر بطريقة مرهفة، ولقد شوّهت الإباحية وضحالة الموهبة هذا النوع الأدبي كما حدث مع الأنواع الأخرى، إلّا أنّ مارون أبو شقرا من الشعراء الذين قدّسوا المرأة من دون أن يلغوا جسدها للتأكيد على أنّ جمال جسد المرأة لا يجب أن يحوّلها إلى سلعة
غرفة 19
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل