ماهر طميزة
تنفث الهواء الساخن بصوت يشبه صوت التنين في الحكايات الخرافية، ورغم ذلك كانت أوصالها ترتجف من البرد، واقفةً دون حراك، مترعةً بالوجع، بصعوبة تكاد تبلع ريقها، تغوص في الكآبة، عيونها مثقلةٌ بالحزن، تبكي بحرقة وهي تتحسر على حظها بعدما أصبحت الزوجة السابقة وهي ما زالت صبية في مقتبل العمر. خيم الليل وهي لا تزال في غرفتها وقلبها حزين، ومملكة كاملة من الأحلام تنهار من حولها، تتلقى في قلب الليل فوق لهيب الأفكار الغريبة، مذهولة تتساءل ماذا فعلتْ حتى أوصلها إلى حافة الهاوية؟! أشرقت الشّمس معلنةً عن قدوم يوم جديد لكنه لم يكن كالأيام السابقة، أفاقت بجسد مثقل بالأوجاع، تجرجر جسدها المتعب، تتنقل بين غرف البيت، ثمة كرسي خلف طاولة التسريحة (التواليت) في غرفة النوم، جلست، نظرت في المرآة، رأت وجهاً شاحباً، بدت عليه ملامح التعب، سالت دموعها دون توقف، خفق قلبها مثل عصفور وقع في الشرك. أخذت تصرخ قائلة: لماذا طعنتني في الخاصرة ؟! لماذا تركتني ومضيت وانتَ الذي كنت تحلم بالزواج مني ؟! تتسأل بحسرة لماذا الرجال يتزوجون على نسائهم بدون سبب؟! هل الرجال ليس لهم قلوب مثلنا نحن النساء ؟! أسئلة كثيرة كانت تدور في رأسها دون أن تعرف لها جوابا. جلست في صمت، أخذتْ نفساً عميقاً، وبينما هي تحاول إفراغ رأسها من الهموم، دق جرس الباب، لملمت جسدها المتعب، استجمعت قواها وذهبت نحو الباب لمعرفة من الطارق. لعلّ زوجها جاء يعتذر
لها! لعلّه ندم على فعلته؟ لكن خابَ أملها عندما نظرت من عدسة الباب، ثمة مجموعة من النسوة خلف الباب جاؤوا لمواساتها في محنتها هذه. تجمدتْ خلف الباب، كانت مترددة في فتح الباب، قالت لنفسها: لماذا هذه الزيارة في هذا الوقت؟! هل جئنَ يشمتن بي بعدما عرفن الخبر؟ دق جرس الباب مرة أخرى، فتحت الباب على مضض، رحبت بالضيوف ورسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها، لكن عتمة الحزن التي تملاْ عينيها لا تخفى! حضور النسوة زاد من بؤسها ومعاناتها بعد أن تلقّتْ سيلاً من الأسئلة وهي مجروحةُ الفؤاد. وما أن جلسن حتى بدأت الأسئلة تنهمر عليها، إحدى النسوة سألتها: لماذا زوجك تزوج عليك؟! هل قصرتِ في حقه؟ لم تسعفها الكلمات للرد حتى جاءها سؤال آخر من امرأة أخرى. هل أهملتِ في زوجك بعد أن أنجبت أطفالك؟ أنتِ تعرفين الرجال مثل الأطفال يحتاجون أن نعتني بهم باستمرار هم يحتاجون منا (الدلال)، كتمتْ غيظها وبداخلها بركان يغلي يوشك على الانفجار ثمة امرأة من بين النسوة أنبرت للحديث وتحدثت بلباقة، كان يظهر عليها الاتزان والحكمة، بخلاف النسوة الأخريات، كان حديثها صارم أسكتت كلّ الأصوات التي لا تدرك ألم هذه اللَبؤة المجروحة، خاطبتهن كفى ثرثرة، جارتنا مجروحة ويكفيها ما أصابها، ومن قال إن الرجال بحاجة لوجود سبب للزواج على نسائهم ؟!كلّ الرجال شغوفون بالنساء، صدقيني يا جارة هو من خسرك، أنتِ جوهرة لا تقدر بثمن. هذه الكلمات كان لها أثر إيجابي عليها، أطفأت ناراً مشتعلة في قلبها المحترق وباتت تدرك أنّها لم تكن هي السبب في زواج زوجها، تعالت على جراحها، لملمت جسدها المنهك ورسمت ابتسامة على شفاهها المتعبة