د. حسن مدن لموقع كل الاسرة
قبل فترة غير بعيدة أعلن عن قرار عدة مدارس ألمانية إدراج مادة «السعادة» ضمن منهجها التعليمي، إلى جانب القراءة والكتابة والحساب، وتتضمن هذه المادة تلقين دروس حول قيمة الشعور بالسعادة وطريقة الحصول على المزيد منها. ومما تشمله المادة مواضيع مثل الامتنان، تقديم المساعدة للآخرين، العواطف، الاسترخاء، والغاية هي تربية التلاميذ على أن الأشخاص السعداء هم الأكثر إبداعاً وإنتاجيةطالما يستغرقنا التفكير في كنه السعادة، كيف يمكن أن نشعر بأننا سعداء أو غير سعداء، أو كيف نصف شخصاً بأنه سعيد، فيما نصف شخصاً آخر بأنه غير سعيد، ما المعيار الذي إليه نستند في تحديد ذلك، أهو الرفاه المادي، أهو النجاح في العمل، أهو التمتع بالصحة، أهو التوفيق في الشراكة الزوجية والعاطفية، أم أنه كل هذه الأمور مجتمعة؟
يقول بطل إحدى الروايات: «كنت أشعر أنني سعيد لكن ما سبب سعادتي؟ لم أتمن شيئاً ولم أفكر في شيء. كنت سعيداً» ليضعنا أمام السؤال السهل – الصعب: هل يحدث أن نشعر بالسعادة دون أن نعرف لذلك سبباً؟ ويصح السؤال المعاكس أيضاً: هل يحدث أن نشعر بالضيق، أو حتى الكآبة، دون أن نعرف ما هو السبب، خاصة إذا كثرت من حولنا المحبطات؟
السعادة شعور قبل كل شيء، ولكن أيضاً يجب تدريب الناس، منذ طفولتهم، على أن يخلقوا السعادة لأنفسهم، ولعله السبب الذي حدا بالمدارس الألمانية في إضافة مادة السعادة إلى مقرراتها التعليمية، فالسعادة ليست حاجة لجعل حياتنا أجمل فحسب، والرفع من قدراتنا في التعامل مع الصعوبات الكثيرة التي يصادفها الناس يومياً، وإنما أيضاً للحفاظ على صحتهم، وهذا ما خلصت إليه دراسة جديدة أخرى وجدت أن التفكير الإيجابي حول عملية الشيخوخة يمكن أن يبطئ التدهور المعرفي لدى كبار السن، ولاحظت الدراسة أن الذين لديهم «معتقدات عمرية إيجابية» كانوا أكثر عرضة للتعافي واستعادة مهارات التفكير والذاكرة الطبيعية من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك
واقترح مؤلفو الدراسة أن «تدخلات الاعتقاد بالعمر على المستويين الفردي والمجتمعي» يمكن أن تشجع المزيد من الناس على التفكير بشكل إيجابي في الشيخوخة، وبالتالي عكس التدهور المعرفي في وقت لاحق من الحياة، ويمكن تجنب مثل هذا الضعف من خلال تمارين يومية بسيطة
قبل خاتمة الرواية التي منها اقتطفنا مقطعاً في مدخل هذا المقال، يقول بطلها على شكل مونولوج بينه ونفسه: «هل سأكون سعيداً غداً؟ لكن ليس للسعادة غد وليس لها أمس. إنها لا تذكر الماضي، ولا تفكر بالمستقبل، إن لديها الحاضر، وهذا أيضاً ليس يوماً. بل لحظة خاطفة»، كأنه يحثنا على تذكر قول عمر الخيام، في القصيدة التي غنتها السيدة أم كلثوم: «واغنم من الحاضر لذاته/ فليس في طبع الليالي الأمان»