بحث وإعداد: سهيل منيمنة

في مطلع القرن التاسع عشر كان الأوروبيون المقيمين في بيروت ودمشق يرتدون الجلابيب الشامية التقليدية، ليس احتراماً لعادات أهل هذه المدن في لباسهم أو اقتداء بهم، ولكن لشعورهم أنهم يكونون أكثر أمناً وسلامة. ولكن هذا الأمر سرعان ما تبدّل ابتداءً من سنة 1830 عندما أمر السلطان العثماني، غالباً بضغوط من محمد علي باشا، أن يرتدي موظفو الدوائر الحكومية اللباس الافرنجي. ومن خلال الصور القديمة التي التقطها المصورون الأوائل في النصف الثاني من ذلك القرن في بيروت، يمكننا أن نرى بوضوح اختلاط اللباس التقليدي والافرنجي في الشوارع والساحات والأسواق. في هذه الأماكن، ربما كان اللباس التقليدي البيروتي هو أول ما يلفت النظر، وفي كثير من الأحيان كان عن الوضع الاجتماعي لصاحبه.
كتب مؤرخ بيروت الدكتور حسان حلاق رحمه الله: “كانت العائلات البيروتية (البيارتة) تكّون المجتمع البيروتي الذي شهد موجات من الوافدين الأتراك والأوروبيين وموجات أخرى وافدة من الولايات الإسلامية والعربية. وعبر الحقب التاريخية تمت حركة التشابه في العادات والتقاليد والممارسات مع ما تتميز به العائلات البيروتية من بعض التباين بسبب المعتقدات الدينية. وبشكل عام فقد كان المجتمع البيروتي مجتمعا متشابها في كثير من مظاهره، وقد كانت المسلمات والمسيحيات محتجّبات إلى حد كبير، كما أن المسلمين والمسيحيين من الرجال كانوا يلبسون ثياباً موحّدة كالسروال العثماني (الشروال) والقمباز، والصدرية الكشمير واللاستيك (الجزمة) خاصة الأغنياء منهم، ويعتمرون الطربوش. مع العلم أن الفئات المثقّفة من مختلف الطوائف، قد بدأت تتفرنج بلباسها وعاداتها وتقاليدها منذ أواخر القرن التاسع عشر.” [حسان حلاق: بيروت المحروسة، ص 9]
يتبع…
________
الصورة: بيارتة في لباسهم التقليدي نهاية القرن التاسع عشر.