لم يكن الدبلوماسي والباحث والمفكر والأديب اليمني الدكتور عبد الولي الشميري شاعرًا فذًا وشخصية رائدة في مجال الشعر والثقافة والفكر في اليمن فحسب بل كان من أولئك الرجال المبدعين من ذوي الأثر الواضح وبصمته التي لا تمحى في مسيرة الشعر والأدب على أجيال المثقفين. فهو منارة تضيء سبل العطاء في ميادين الكتابة الإبداعية. عرف بإسهاماته الجادة في بناء دعامات الثقافة والإبداع .
النشأه والتكوين:
تمثل سيرة الشميري المولود في عام 1956 تجربةً أدبيةً فريدةً وثريةً بدأت منذ الطفولة وتناولت في مضامينها العديد من القضايا والمفاهيم الإنسانية الصادقة ؛ فتشكلت تجربته الشعرية منذ صباه في قرية شمير حيث كان بين يديه دواوين التصوف الشهيرة المجزأة في شكل قصائد للشاعر (عبد الرحمن البرعي) من محافظة الحديدة ثم الشاعر (عمر بن الفارضى )المصري ومن هنا بدأت مرحلة الشعر في حياته مع المتصوفين في الأربطة العلمية وعلمائها والذي ساعده على ذلك حب والده رحمه الله تعالى للتصوف وأشعاره، ولكن الشميري كان يجد النزوع إلى شعر الغزل فكان يتغزل بالجمال وفي نفس الوقت كان لا يجرؤ على المجاهرة به بسبب نشأته في مجتمع قبلي ومتصوف يمنعه من الإفصاح ولا يتقبله ذلك المجتمع؛ فكان ينشر قصائده في الصحف بأسماء مستعارة.. وعلاوة على ذلك كتب الشميري شعر الغزل فكان شعره يحفظه شباب القرية وتغنيه راعيات الغنم وفي حفلات النساء والأعراس ولكن لا أحد يعرف أنها له إلا القليل من أصدقائه.
علاقته بالشعر:
بالنسبة لعلاقته بالشعر فلقد قال الشميري: “إن الشعر في حياتي راحة القلب والوجدان فيه راحة لي وسلوان.”، وعن القصيدة يقول :”بأنها أوتاره وأزهاره وقيثارة، وهي لسانه و أنغامه في الشجو والشجن”. والشعر عنده كما يبدو بأنه الذي يقدم الشاعر ذاته وعصره ومكانه وزمانه. ويصف يومياته ويخلد أسماء النبات وموارد المياه وطبائع الليل والنهار والمرأة والرجل والحروب والقرى وأهلها حتى بعض الحيوانات بأساليب وقدرات ثقافية خاصة؛ فالنص منوط بعتبات وتغريدات متخمة بإيحاءات ورموز ذات أبعاد فنية ومخرجات اجتماعية وسياسية وتاريخية ضمن ضوابط فلسفية.
لم نجد في شعره صدى العمل السياسي كونه سياسي ودبلوماسي بقدر ما نجده في أصداء للجانب الوجداني بشكل عام فهو يعتبر من قادة التنوير وأصحاب الفكر. يؤمن بالمعرفة والثقافة التراكمية التي تتراكم بشكل منطقي فيطوّرها عبر أفكار جديدة وفق بنية علمية بعيدًا عن الايديولوجيا والمعتقدات البسيطة فتتشكل على يديه مشغولات فكرية في حلة أدبية جميلة وممتعة.
نعم كان الشميري دائمًا ينتصر للرؤية الشخصية وللحدس الداخلي الذي ينحاز للإنسان الذي يعيش الغربة و الاغتراب الوجودي. ويبقى أن نذكر أنه شق طريقه مؤمنًا ومبدعًا وحكيمًا فقد اعتمد الوضوح في قصائده فكتب عن المرأة والوطن والغربة والطبيعة ومواضيع أخرى من الحياة. حيث تعد دواوينه الشعرية عصارة فكره وعلى مستوى رفيع من الإبداع.
أسلوبه:
يتميز أسلوب الشميري بجمال الإيقاع الذي يهب للقصيدة هويتها فيجعل إيقاع قصائده حياة فوق حياتها فيعبر عن المشاعر الإنسانية والصور الشعرية الدالة واللغة الموحية. فهو شاعر مبحر وراء الجمال والحق والعدل ببساطة مبهرة. ينظم قصائده وكأنها حديقة شعرية؛ فنجد عذوبة المعاني وروعة جرسها الشعري بأسلوب مشوق بشكل يغري بالقراءة والبحث بشكل سلس ليكون رسالة ثقافية فكرية مميزة.
ففي قصيدة ساجي العينين يقول:
سلو شادن البحرين عما جرى ليا وما ذقت لما حول الحب حاليا
خذوا بدمي ساجي العيون فإنه بسهم العيون القاتلات رمانيا
أشم رذاذ النيل، والنيل عابق وفي مصر أحبابي وأهلي وداريا
وفي اليمن الميمون حب ومرتع وأهل وأحباب وطابت مراعيا
أن هذا الارتباط بالنموذج العربي للمرأة في البحرين ومصر واليمن دليل على أننا أمام شاعر مسكون بالعروبة حتى النخاع شاعر قومي . وهنا المرأة بالنسبة له ليس سوى استبدال للوطن والأرض والقضية .إنها الرؤية الإبداعية الوطنية والقومية فيتغزل هنا بفتاة جميلة من البحرين ثم ينتقل بإحساس المحبة إلى مصر ثم بعدها إلى اليمن.
ويتحدث عن الإمارات في قصيدته قائلًا:
بلغوا عني (الإمارات) السلاما وازرعوها قبلا عامًا فعاما
واغرسوا كل الصحاري نرجسا زينوا أبراجا، طابت مقاما
ما (دبي) اليوم إلا قبلة نحوها العالم قد لبى وهاما
هنا يعبر عن حبه وتقديره للإمارات وهذا يعكس شغفه بجمالها وأهميتها في العالم حيث يعتبرها محورًا مهمًا ومركزًا جاذبًا للعالم أجمع.
إنه الشاعر الملتزم والأصيل المستمسك بحبل التراث والوطنية ، يعزف لحنًا بكل جمال وإتقان فيملأ شعورنا عبق التراث والمعاصرة فيما بين متعة الماضي وعبير الحاضر.
له عشرون كتابًا مطبوعًا في الشعر والأدب والثقافة والسياسة والتأريخ _ كمرتكز أساسي _ يميز قصائد الدكتور الشميري الصدق النفسي المنبعث من الشعور الصادق والدافئ والصدق الفني حيث لديه قدرة هائلة في تصوير الرؤى والأفكار انطلاقًا من موهبة وخبرة بالأساليب البيانية والبلاغية فيثير قلب المتلقي فهو شاعر ملهم. فيمكننا التعرف على ملامح شخصيته من خلال قصائده فهو من سلالة الشعراء الكبار الذين أنجبتهم اليمن منذ الجاهلية حتى الآن.
المناصب التي شغلها:
تلقى الشميري دراسته العلمية والأكاديمية في عدد من المدن اليمنية والبلدان العربية والأجنبية فحصل على دكتوراه في الأدب العربي 1993م؛ فشغل عدة مناصب حكومية ودبلوماسية في اليمن والمنظمات الدولية. عمل سفيرًا للجمهورية اليمنية لدى جمهورية مصر العربية مدة عشر سنوات 2010-2005 ومندوب دائم لليمن لدى جامعة الدول العربية 2005 .
شغل منصب ممثل اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة 2000-2010 وكان له دور هام جدًا في تنسيق الجهود الدولية للتصدي للتحديات الأمنية والإنسانية في اليمن. كما شغل منصب محافظ محافظة مأرب 1995. عضو منتخب لمجلس الشورى اليمني 1988. وأمين عام للمجلس البلدي 1978-1980.وعضو منتخب لمجلس الشعب 1990. وعضو للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب من 1993-1995 .
تأسيسًا على ذلك كان عضوًا ومؤسسًا لأكثر من عشرين مؤسسة ومنتدى وجمعيات ثقافية في الوطن العربي. فهو رئيس مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون باليمن. ورئيس منتدى المثقف العربي بالقاهرة. ورئيس تحرير مجلة تواصل. أستاذ محاضر ومشرف ومناقش أكاديمي في كلية الآداب والإعلام في عدد من الجامعات اليمنية والمصرية .عضو ومؤسس لأكثر من عشرين مؤسسة ومنتدى وجمعيات ثقافية في الوطن العربي وخارجه. له زيارات أكاديمية ورحلات ثقافية لثمانين دولة في العالم.
وشغل منصب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الفترة 2014-2019 ولعب دورًا في تنسيق الجهود الإنسانية الدولية في العديد من الدول المتضررة من النزاعات والكوارث الطبيعية.
التكريمات والأوسمة:
حصل على العديد من التكريمات والأوسمة منها: درع جامعة الدول العربية، القاهرة. ودرع جامعة المنصورة للعلوم، مصر. ودرع مؤسسة مفدى زكريا، الجزائر. ودرع مؤسسة عبد المنعم الصاوي للثقافة، مصر. ودرع مؤسسة خليفة، البحرين. ودرع الجالية العربية بمحافظة “ددلي” البريطانية. ووسام البطولة، اليمن. وسام الوحدة ، اليمن . ووسام ثورة 26 سبتمبر، اليمن. ودرع المكتبة البريطانية، لندن. وسام البطولة، اليمن ، وسام الشرف ، اليمن، درع مركز الحضارة الإسلامية ببريطانيا (منشيستر). درع وزارة الثقافة اللبنانية، بيروت. ودرع رابطة أبناء بيروت . ودرع المجلس الإسلامي الفلسطيني الأعلى. وغيرها.
نشاطه الثقافي في مصر والوطن العربي:
يُعدَّ الشميري الشاعر والأديب منتميًا إلى وطنه وأمته وتراثه وتاريخه فقد عرفه العالم أديبًا ومثقفًا وشاعرًا وكان له نشاط بارز في الشأن الثقافي. ومن هنا استجابت مصر له فأعطته الاهتمام الكبير الذي لا ينضب؛ فنجد اهتمامه بالثقافة والإبداع منذ تأسيسه “مؤسسة الإبداع ” في اليمن ومد ظلالها ليتفيأها المبدعون في كل مكان في الوطن العربي لتشهد مصر” منتدى المثقف العربي” وتحتضن هذا الزخم الإبداعي. وامتد المثقف العربي لينشر الإبداع والثقافة في الآفاق العربية.
وفي يونيو 2023 احتفيَ به في المغرب باعتباره شخصية السنة الثقافية ضمن تجليات دبلوماسية ثقافية تقديرًا وفخرًا وتثمينًا لإجازات الشميري العلمية والأدبية والدبلوماسية؛ لما له من مواقف وآراء عبر عدد من أعماله الأدبية والفكرية.
موسوعة أعلام اليمن:
ألف الشميري موسوعة أعلام اليمن التي تضم كل أسماء المؤلفين والمثقفين والعلماء والرسامين والعمال ومشاهير الصالحين ومشاهير المجرمين ومشاهير المحاربين والفنانين اليمنيين حيث أشار بالذي يميز كل منهم منذ أقدم العصور بدءًا بأقدم وأكبر الإعلام في اليمن سيدنا هُود أول الأنبياء، وتقدر زمنيًا بأكثر من 20 ألف سنة مرورًا بأزمان الحضارات القديمة في عشرين مجلدًا؛ فنشرت في معارض الكتب الدولية في عدد كبير من البلدان وأصبحت بعد ذلك في المكتبات العلمية الشهيرة مثل مكتبة الكونجرس والمكتبة البريطانية ومكتبة الإسكندرية ومكتبة فرانكفورت وبرلين وفي باريس ودار الكتب الروسية. ثم نظم عدة فيديوهات لكي يسرد بنفسه عن كل شخصية في الموسوعة . فهي موسوعة الإنسان على أرض اليمن قبل عصور خالية.
إسهاماته في العمل الدبلوماسي والسياسي:
لا جرم بإن الشميري له إسهامات عديدة في العمل الدبلوماسي والسياسي وله دور كبير في تعزيز العلاقات الثنائية بين اليمن والدول الأخرى. تحدث في محاضراته وخطاباته عن العديد من القضايا الدبلوماسية والسياسية المتعلقة باليمن والمنطقة العربية والعالم بشكل عام وتناول القضية الفلسطينية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين ومكافحة الإرهاب والتطرف والعنف. وبالإضافة إلى ذلك تناول الأمن الإنساني والأزمات الإنسانية في اليمن والمنطقة والتحديات الاقتصادية والتنموية في اليمن والعالم العربي..
الدكتور الشميري صوتًا هامًا في الساحة الدبلوماسية الدولية وشخصية مؤثرة في الساحة الدبلوماسية الدولية فقد لعب دورًا هامًا في الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن.
أهم مؤلفاته:
له العديد من المؤلفات ومنها : (درر النحور)ثلاثة أجزاء دراسة وتحقيق، وديوان ابن هتيمل شعر وسيط، الطبعة الأولى 1995 بالإضافة إلى( أعلام الاغتراب اليمني ) تراجم شخصيات يمنية مهاجرة. و(من أوراق الأحرار) مقالات في السياسة والثقافة ،و( الحب في الأدب العربي) دراسات نقدية. و( ثقافة المقاتل) دروس في العقيدة والوعي والثقافة. و(الحرب في الأدب العربي) دراسات نقدية لنصوص شعرية. وكتاب (دستور الحياة) مقالات تربوية.( الف ساعة حرب) جزءان من تاريخ اليمن السياسي والعسكري ،و( الاستراتيجية العسكرية لعاصفة الصحراء) تأريخ في حرب العراق. و(شروخ في جدار الوطن )مقالات في السياسة والثقافة . و( موسوعة أعلام اليمن ومثقفيه) 20 مجلدًا تراجم وسير. و( أعلام الاغتراب اليمني ) تراجم شخصيات يمنية مهاجرة.. وغيرها.
ومن الدواوين الشعرية : ديوان أزهار ، وأوتار ، وقيثار، و العطر، وحنين و خواطر وذكريات وغيره.
الدكتور عبد الولي الشميري بمكانته البارزة له دور كبير في إغناء الساحة الأدبية فسيرته الأدبية والأكاديمية حافلة بالمنجزات الفكرية والثقافية والأنشطة الثقافية داخل اليمن وخارجها نظرًا لقيمته الأدبية _ التي يحترمها ويقدرها الجميع _ فهو حاضر بكل كتاباته وثقافته وعلمه.