…خلال أمسية شعرية شاركنا في حضورها مؤخرا ، فاجأنا أحد الشعراء المخضرمين بمداخلة كلامية توزع التهم يمينا وشمالا دون أي مستند بثبت أقواله سوى ” القيل والقال ” الذي يتردد دائما في بعض الزواريب وناطحي الثقافة ، وملخص مداخلته بأنّ الشعر وجد فقط للذكور وليس للنساء ، مبررا ذلك بأنّ الشاعرات المعروفات ( وفق تجربته ومعرفته ) لم يتابعن المسيرة في مواصلة إصداراتهن ودواوينهن ، بل توقفن عن كتابة الشعر بعد فترة وجيزة من شهرتهن .
لقد نسيّ هذا الشاغر المخضرم , بأنّ القصيدة تكتب وفق ” حالة شعرية معينة ” وتزول مع غياب هذه الحالة , وربما قصيدة واحدة من شاعرة قد تساوي دكانة الشعر كلها عند شاعر ذكر واحد ..
تلشعر يا صديقنا ، ليس للرجال فقط ، ربما في مرحلة سابقة كانت المرأة مقيّدة بالتقاليد والأغلال ، ومكبوتة العواطف والتعبير ، لكنّ المرأة اليوم قد تفوقت على الرجل في ميادين كثيرة ، ليس أقلها الشعر والأدب والرواية .
حاولنا أن نسأل ذلك الشاعر ، هل يتابع الشاعرات اللبنانيات اللواتي أصبحنّ أميرات في الشعر على مسنوى العالم العربي ، فكان جوابه النفي ، لذلك أرسلنا إليه بعض الفيديوهات لقصائدهن لربما يغيّر نظرته وموقفه .
نسجل ونثمّن إعتراض الشاعرة نجوى الشدياق حريق التي انسحبت من الأمسبة ، رافضة الاستماع إلى كلام من هذا النوع ويصدر عن شاعر مرموق في عصرنا.
وقد قرأت قبل قليل مقالة للشاعرة نجوى الشدياق تحت عنوان ” جريمة ثقافية ” قالت فيها :
جريمة ثقافية
رد علمي وأدبي على كل من يتّهم المرأة اللبنانيّة والعربيّة بعدم الإبداع الشعري وخاصة هؤلاء الذين يدعون بأنّ الشعر ذكوريّ بامتياز لا يمتّ للانوثة بصلة وانّ المرأة ولدت فقط للإيحاء …
في عالم الأدب، لطالما شكّلت المرأة صوتًا أساسيًا في تشكيل الوعي الجمالي والثقافي، ولم تكن يومًا غائبة عن المشهد الشعري، سواء في لبنان أو في الوطن العربي. إن الاتهام بأن المرأة اللبنانية «ليست شاعرة» أو أن الوطن العربي «خالٍ من شاعرات مبدعات» ليس مجرد رأي شخصي، بل هو جريمة ثقافية في حق تاريخ طويل من الإبداع الأنثوي، ومحاولة بائسة لمحو أثر نصف المجتمع من ذاكرة الأدب.
إذا عدنا إلى أرشيف الشعر اللبناني، سنجد أسماء نسائية أسست للحداثة الشعرية وأسهمت في تجديد القصيدة العربية. هل يمكن أن يُقال ذلك أمام مثلاً مي زيادة التي شكّلت منبرًا ثقافيًا في صالونها الأدبي وكتبت الشعر والنثر بمستوى يضاهي كبار الشعراء؟ ماذا عن جوزفين مطر، منى حاطوم، ووداد طه؟
وإذا وسّعنا النظر عربيًا، فكيف يمكن التغاضي عن فدوى طوقان، سعاد الصباح،لميعة عباس عمارة و نازك الملائكة، التي اعتبرت رائدة الشعر الحر في العالم العربي.
علميًا، تشير دراسات الأدب النسوي إلى أن التهميش الثقافي للشاعرات لم يكن بسبب نقص في الإبداع، بل بسبب سلطة السرد الذكوري، التي كانت تفرض رؤية انتقائية للأدب المنشور والمعترف به رسميًا. الباحثة جريس خوري في دراستها عن “صورة المرأة في الشعر العربي” أكدت أن المرأة الشاعرة عانت من تغييب مؤسساتي لا علاقة له بمستوى الإنتاج أو القدرة الفنية.
الأخطر من الاتهام ذاته هو تبنّي مثل هذه الأحكام من قبل مثقفين أو شعراء يدعون الشعرية لا بل الملوكية في الشعر و يتناولون موضوعاتهم بطرق تحمل المستمع او القارىء من الاستمتاع الشعري الى القرف والاشمئزاز ولا تتوقف عن هذا الحد بل تُشرعن التمييز الثقافي، وتكرّس صورة نمطية زائفة للشعر العربي عامة واللبناني خاصة . فالمرأة اللبنانية والعربية كانت وما زالت مبدعة في الشعر، وها هي اليوم تكتب القصيدة النثرية والعمودية وقصيدة الهايكو، وتتنافس في مهرجانات شعرية دولية وتحصل على اهمّ الجوائز وطبعاً لحضورها الشعري بصمة جديدة تواكب الحرية والعولمة ..
وإذا كان من يُطلق هذا الحكم الأعمى البعيد كل البعد عن الساحة الثقافية ،لم يقرأ إنتاج شاعرات لبنان والوطن العربي، فتلك مشكلة في القراءة والمعرفة، لا في المرأة.
أما إذا كان مطّلعًا ويتجاهل عن قصد، فذلك انحياز فكري وأخلاقي مرفوض.
الشعر يا سادة لا يُقاس بجنس قائله، ولا بعنجهية ذكوريته ،بل بعمق تجربته، وجمال صوره، وصدقه الإنساني . والمرأة اللبنانية والعربية أثبتت، عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، أن قصيدتها ليست أقل شأنًا من قصيدة الرجل، بل أحيانًا أكثر قدرة على النفاذ إلى جوهر الإنسان والى التوغل في أعماق الشعور الذي تختصّ به ومن كتب وابدع من الرجال يعرف تماماً أنّ القصيدة أنثى .