كلمة العدد الثامن
إخلاص فرنسيس
في ظلّ الذكاء الاصطناعي والعقول الإلكترونية، يبقى السؤال: لماذا نلتزم بالحرف والكلمة، ونحن نعيش في حياة يتهدّدها حريق تلو حريق؟
الكتابة، اللذة، الخطيئة، المتعة اللحظية والزمنية التي تُقترف فيها، لمسات تسري رعشة في السطور، وفكرة صاعقة تقبض على أناملنا، تتحكّم بنا، وتمتلك قوة الإرادة فينا بقوة، فيُصدر القلم فرمانًا بإطلاق العنان ، لتنطلق الكلمات تلتمس الحرّية من نير أفكارنا، تصهل في مدى البحر الأبيض، تتحرّر من جموح رغباتنا المهشّمة، وأهوائنا النزقة، وتصير كائنًا حيًّا أمامنا، نتبادل معًا الأدوار، تحاكينا والآخر، فتكون للحبر الكلمة الأخيرة، نرقب تلك الجمل المتمردة الخارجة عن التدجين، تصرخ بملء الصوت في وجه الزمن، تختلف وتأتلف تحت سلطان الروح، تخرج من تحت سلطتنا، لتصير تحت سلطة القارئ، رصاصة تنطلق، ويستعصي علينا استردادها، وفي كلّ جملة مرآة تنعكس فيها الروح الكاتبة، لسانه المعبّر، تُبرز حقيقتنا مهما واريناها فيفضحنا القلم. تُنزع الأقنعة، ويتعرّى الجميع أمام الورق، هياكل تتحرّك كما في صور الأشعّة، سواد وبياض، مسلوبين من كلّ شيء حاولنا أن نتستر به، يسألنا القلم كيف عشنا الحياة، وماذا قدّمنا، وكم هو عمر العطاء فينا، هل بقياس أعمارنا وطول السنين، أم بالتجربة التي عشناها، أم تقاس بلذّة الكتابة اللحظية أم بألم المخاض الذي أحكم قبضته علينا، حين أردنا أن نستنطق الحبر، ماذا عن الأفكار والمواهب التي أجهضت في ظلّ حاضر مريض، انتحر فيه الكاتب قبل أن يكتشف إرادة الحياة والكتابة الجمال.
فوضى بذاكرتي، وقلمي، وحبر قلبي يتدفّق، يخشى عليّ من مناكفات الحياة، ألتقي عشرات اللغات، وكلّ منها أداة تعبّر عن بواطن الفكر، ووعاء يحمل الحقيقة إن وجدت، والرغبة إن وجدت، والإبداع إن وجد، والشغف إن وجد، والحبّ إن وجد، الكتابة إن كنّا نرغب فيها ، علينا إذًا أن نكون حاملين مقصّ اللغة نقتلع كلّ الشوائب والثرثرات، محوّلين أقلامنا إلى مفاتيح بيانو تدخل البهجة إلى الدورة الدموية، ولنبدأ بالرقص، وندع الحروف تتناسل من ثقوب الروح، نلتقط الضوء داخل النفوس، في ظلّ الهجمة المستحكمة والموجّهة للذكاء الاصطناعي، لاستلاب آخر ما يمكن للإنسان أن يعبّر به عن ذاته (الكتابة)، وهذه الصناعية مهما راقت للكثيرين، ولجؤوا إليها يبقَ الدور الأكبر للعواطف والمشاعر لينقذنا من هذا الخدر الإلكتروني الذي لن يرقى إلى عمق المستوى الفكري والإحساسي للإنسان
الكتابة هي المبدع في قلقه وفي تسلّقه الظلام وصولًا إلى النور المنشود
أيُّ مواتٍ يتربَّص بنا
وأيُّ حياة؟
الكتابةُ ذاكرةُ القلبِ
وحاضنةُ المنفى
ولي أنْ أتلظّى