لم تكن الأمور قد ساءت بعد بين سيف الدولة والمتنبي، وكانت قصائد مديح المتنبي له تتوالى، كتلك التي كتبها له في العيد، مستهلاً إياها بالقول: «هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده/ وعيد لمن سمى وضحى وعيّدا/ ولازالت الأعياد لبسك بعده/ تسلم مخروقاً وتعطي مجددا/ فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى/ كما كنت فيهم أوحداً كان أوحدا/ هو الجد حتى تفضل العين أختها/ وحتى يكون اليوم لليوم سيدا».دوام الحال من المحال. ضاق ذرع سيف الدولة بالمتنبي والعكس صحيح أيضاً. زادت المكائد والنمائم وأوجه الحسد التي أحاطت بالشاعر، فوجد نفسه محمولاً على مغادرة حلب شاداً الرحال إلى مصر، حيث كافور حاكمها، وهناك لم يكن المجد وحده ما ينتظره، فبعد برهة لم تطل مدح فيها «سيّده» الجديد كافور، ونضعها بين مزدوجين لأنه إن كان للمتنبي من سيّد فهو الشعر لا غيره، وجد نفسه، من جديد، ضحية مكائد لا تختلف عن تلك التي خبرها.حنَّ أبو الطيب إلى سيف الدولة، وندم على اللحظة التي حملته على الهجرة إلى مصر، وحضّر حاله للفرار، ووجد سانحته في العيد. لم «تؤنس» ليلة العيد المتنبي كما آنست أم كلثوم في أغنيتها الشهيرة. ففي تلك الليلة تسلل من مكان إقامته سراً، وانطلق في الصحراء، فضاؤه الأثير الذي اعتاد عليه عند كل هروب. أليس «أعزّ مكان في الدّنى سرج سابح»؟ وليلتها، وربما قبلها أو بعدها بقليل، كتب القصيدة التي ذاع مطلعها: «عيد بأية حال عدت يا عيد / بما مضى أم لأمر فيك تجديد/ أما الأحبة فالبيداء دونهم/ فليت دونك بيداً دونها بيد».كان المتنبي أشهر من خصّ العيد بقصائد، لكنه ليس الوحيد. المعتمد بن عباد آخر ملوك بني عباد في الأندلس، كتب أيضاً عن العيد، وبروح مشابهة، في سجنه بالمغرب بعد سقوط حكمه، مشفقاً على نفسه مما أصبح عليه: «فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا/ وكان عيدك باللّذات معمورا/ وكنت تحسب أن العيد مسعدة/ فساءك العيد في أغمات مأسورا».مثلهما كتب الشاعر المعاصر عمر أبو ريشة يعتذر للعيد عن عدم استقبال الناس له بالمرتجى من الفرح لأن حال الوطن لا يسّر: «يا عيدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا عيد/ فكيف تلقاكَ بالبِشْرِ الزغاريدُ؟/ وكيف ينشق عن أطياف عزتنا/ حلم وراء جفون القدس موءود».للعيد في الأندلس شعره أيضاً، وبمذاق مختلف، على لسان شاعرها الأعذب العاشق ابن زيدون الذي قال: “هنِيئاً لك العيدُ الذي بكَ أصبحتْ/ ترُوقُ الضُّحى منهُ وتندى الأصايلُ/ تلقاكَ بِالبشرى وحيّاكَ بالمُنى/ فبشراكَ ألفٌ بعدَ عامكَ قابلُ”. إيليا أبو ماضي وجد في العيد أيضاً ما يبهج، فقال: «يا شاعِرَ الحُسنِ هَذي رَوعَةُ العيدِ/ فَاِستَنجِدِ الوَحي وَاِهتُف بِالأَناشيدِ/ هذا النعيمُ الذي كُنتَ تُنشدُهُ/ لا تَلهُ عنهُ بِشيْ غيرِ موجودِ»