د. علي حجازي
بعد جهد جهيد ، وصل الجمّال إلى دارة البك ، يجرّ الجمل المحمّل بغلال البيدر من الحنطة ، بعدما فلح وبذر وعشّب وحصد ودرس وذرّى عاماً
الفرحة تغمر وجهه الذي كوته الشمس ، وتركت في صفحته أثراً ، والسعادة باديةٌ على حدقتيه ، وهو يقدّم لهؤلاء المحتشدين القادمين من أماكن عديدة مباركين للزعيم الجديد بالعباءة القديمة
أمسك الرسن وشدّه مرّات وقال للجمل
– إخ إخ
– دعني أنخّ على مهل ، فحملي ثقيل كما تعرف
– الحقّ عليك ، فلو لم تنخ لما قدرت على تثبيت هذا الحمل الكبير على ظهرك.إخ إخ
شقشق الجمل ، وحدّق إليه بعينين دامعتين من غضب وقال
– أنا، خلقني الله جملاً ، وزوّدني بسنام وخفّين وثفنات ، وقوة لازمة للنقل ولركوب البشر، فلا ضير في ذلك . أمّا أنت فقد خلقك الله إنساناً فلمَ أعرت ظهرك لبشريٍّ مثلك؟ ولمَ حرمت أطفالك غلال الحقل والبيدر، لمَ؟ نحن معشر الجمال والنّياق غدونا مضرب مثل في الحنين للفصلان التي نبتعد عنها قليلا
– ماذا تقول . أنا أعير ظهري للركوب؟ (قال الجمّال)
– أتظنّني أعمى ، نعم لقد أبصرتك قبل قليل تنخّ ، وتقبّل يد البيك الصغير قبل أن يركب ظهرك ، وأنت مسرور تردّد بصوتٍ عال “نزل الزعيم ركب الزعيم…” وكأنّه مكتوب لهم توارث الزعامة ، ومكتوب عليكم توارث الخنوع والطاعة . فلو لم تنخ أنت وأمثالك لما ركبك هذا البشريّ الذي ينخّ هو أيضا ً لمن هو اعلى منه. ولما تزاحم التجار وأصحاب الحلّ والربط على امتطاء ظهوركم المنحنية بذلٍّ وخنوع
نعم ، وفضلاً عن ذلك رأيت العديدين من امثالك يحنون رقابهم ، ثمّ ينخّون فيقبّلون يد المسؤول ،ويُريقُون ماء وجوههم عنده ليحصّلوا مبتغاهم
على كلّ ؛ باستطاعة البشري أن يشتري كلّ شيئ ما عدا الكرامة والحريّة وعزّة النفس . ستكون هذه اللحظة آخر لقاء بيننا
قال الجمل ذلك ، وشرع يهرول بسرعة فائقة، وهو يحرّك ذنبه في الهواء الطلق كثيراً
قبريخا – جبل عامل في25/6/2023
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي