
في عالمٍ تزدحم فيه الأصوات، وتضيع المعاني بين المذاهب، تبقى المرأة كالنسمة التي تمرّ على الجرح دون أن توقظه، وكالشعاع الذي لا يسأل عن لون الزجاج الذي يعبره. فهي، منذ الأزل، سرّ التسامح المكنون في طين الخلق، وبصمتها هي الأولى على صفحة الرحمة.
-نساء بعيون واحدة:
كانت المرأة، في عمقها الفطري، تدرك أن الله واحدٌ مع اختلاف الوجوه، وأن المحبة لا تُقاس ببطاقة الهوية. كانت ترى في العيون لغاتٍ متشابهة، وفي الدموع ديانةً مشتركة، وفي الأمومة رسالة توحّد بين الصليب والهلال، وبين التراب والماء والهواء.
-الموسيقى في قلبها:
لم تكن تسأل من أين أتى الرجل، ولا أي نبيٍّ يتبع، بل كانت تصغي إلى موسيقى صوته، وتقرأ صدقه بين نبضاته. ففي قلبها مساحة أوسع من الخرائط، وفي رحمها سرّ الوجود الذي لا يعرف حدودًا ولا انقسامًا.
-خيوط الرحمة:
حين يتنازع الرجال على الله، كانت المرأة تمسك بخيوط الرحمة المقطّعة، وتعيد حياكتها لتغطي بها الجرح الإنساني. تصنع من الرماد خبزًا، ومن الحزن صلاة، وتغزل من غيابهم وشاحًا من الصبر والرجاء.
-العبادة الصامتة:
هي التي لا تحاضر في التسامح، بل تخلقه كلّ يومٍ بعملٍ بسيط: بابتسامةٍ في وجه المختلف،
بلقمة خبزٍ تقدَّم دون سؤال، بدمعةٍ تشاركها مع خصمٍ فقد أحبّته.
إنّها تعبد الله في صمتها، وتقدّس الحياة في عطائها.
-الجسر فوق الهاوية:
كم من أمٍّ سورية احتضنت طفلًا لا تعرف دينه! وكم من جارةٍ أعادت السلام إلى زقاقٍ كان على وشك أن يشتعل! إن المرأة في بلاد الوجع العربي كانت دومًا الجسر فوق الهاوية، والصوت الذي يهمس بالنجاة وسط العاصفة. همسات الماء تتدفق بين أصابعها، والجسر يتحرك تحت أقدامها كأنّه يعزف لحن النجاة.
-الرموز المتوحّدة: في ملامحها تتوحّد الرموز: فالثوب الأبيض صلاة، والوشاح الأحمر تضحية،
والعين الدامعة تعميدٌ جديد للحب. تمشي على الحافة بين النار والماء، فتروي ولا تحترق، وتضيء ولا تنطفئ.
-سرّها الأعظم:
وربما كان سرّها الأعظم أنها تعرف -دون تنظير ولا فقه –أن الله لا يُعبد بالكراهية، ومن يزرع في الأرض وردًا مختلف الألوان، هو الأقرب إلى السماء.
-خاتمة… جسر الضوء بين القلوب:
وهكذا تبقى المرأة، في كل دينٍ وزمان، جسر الضوء بين القلوب. هي الطريق التي تعيد إلى الأديان معناها الأول، وإلى الرحمة معناها الأبدي.